خامسا ً: لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذى سوف تدان , وبقية الكائنات لن تدان ولن تحاسب .
لأن الله لم يسع إلا لخلاص الإنسان . لذا فلن يدين غير الإنسان . لن يحاسب
. الدب الذى أكل أطفال أليشع , ولن يجازى الأسد الذى افترس بلعام . ولن
يدين الحصان الذى علق بالبطمة ابشالوم , ولن يكافئ الأتان التى نطقت موبخة
نبيا والتى رأت ما لم يره الناس ولن يقتنص من الحيات التى لدغت شعبا
بأكمله وقتلته , ولا من ذباب وبعوض أهلك أرض مصر , ولا من فئران ضربت قربة
بيت شمس , لن يحاسب حيوانا ولن يدين حشرة ولن يجازى طيرا .
قد تفعل الحظر مشاركا حيوانك فيها , ووقتئذٍ سوف تقف وحدك تدفع عنها الثمن
أما هو فقد أفلته فناؤه وأنت سقطت فى شركة أنت الوحيد المدان فى الكون كله
, ورغم أن بقية الكائنات قد تشاركك الخطأ وتترك لك الخطيئة , أن تدان على
كليهما , أما هى فلا تدان على شئ منهما فالدينونة للبشر فقط دون بقية
الخلائق .
لذا احتلت فكرة الدينونة كل صلواتنا الليتورجيا . ففى القداس الباسيلى
نقول : ورسم يوما للمجازاة هذا الذى يأتى ليدين المسكونة بالعدل ويعطى
ويجازى كل واحد حسب أعماله وفى قداسنا الأغريغورى نقول : أظهرت لى إعلان
مجيئك هذا الذى تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله .
وفى قداسنا الكيرلسى نقول : وظهورك الثانى هذا الذى تأتى فيه لتدين
المسكونة بالعدل وتعطى وتجازى كل واحد وواحد كما عمله إن كان خيرا وإن كان
شرا . وفى كل هذه الصلوات وقلوب الحناجر صارخة مدوية إن كرحمتك ولا كخطايا
.
فالله هو الديان ( مز 50 : 6 , 1 صم 24 : 15 ) ديان الأرض كلها ( مز 94 :
2 ) الذى يصنع عدلا ( تك 18 : 25 ) والإنسان سيقف وحيدا أمام الله مدانا (
لو 19 : 22 , دا 7 : 10 ) فى يوم الدين ( مت 10 : 15 , 11 : 22 , 12 : 36
, 41 , مر 6 : 11 , لو 11 : 31 , 2 بط 2 : 9 , 3 : 7 , ايو 4 : 7 , 17 )
وكما لن يدان من غيره كذلك لن يدان غيره .
سادسا : ولأنك الوحيد الذى ستدان , لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذى سيقوم كى يدان :
الحيوانات والطيور والنباتات إذا ماتت لا تقوم , أما أنت عزيزى تموت ثم
تقوم , لأن لك قيامة بعد الموت حيث ينتظرك يوم عظيم هو يوم الدينونة .
فرغم أنك تموت كبقية الكائنات إلا أن بقية الكائنات لن تقوم نظيرك لأن لا
دينونة لها تنتظرها بالقيامة للبشر فقط , والقيامة لأجساد البشر دون
أرواحهم لأن أرواحهم لم تمت . الذى مات فيهم أجسادهم .
حيث قال السيد المسيح لمريم سيقوم أخوك , قالت له أنا أعلم أنه سيقوم فى
اليوم الأخير , ولم تكن تدرى أن القيامة قائمة قبالها لأن المسيح هو
القيامة ( يو 11 ) .
فالإنسان والحيوان يرقدان معا ( جا 12 : 7 ) ولكن لن يقوما معا فالقيامة للإنسان فقط لا لكليهما , أما الموت فاللإثنان .
وآنئذ لن يكون هناك حيوانات وطيور ونباتات بل سيكون هناك عالم الأرواح كورة الأحياء إلى الأبد عالم الملائكة .
سابعا : ولأنك تقوم بعد الموت لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الخالد . وأما بقية الكائنات والكائنين بالكون مؤقتة وموقوتة :
كل ما تراه حولك و معك فإن لا محالة باستثناء أنت الكائن الوحيد فيه
الخالد بدأت رحلتك التى انطلقت فيها من السماء مع الحيوانات ، و أخيرا
ختمتها مع الملائكة ، بارا كنت أم شريرا .. فالأبرار سيحيون فى الملكوت
بعد الفردوس مع الملائكة الأبرار ، و الأشرار إبليس و ملائكته .
لا نستطيع أن نطلق على الإنسان مصطلح الأبدية ، لأن الأبدية إحدى صفات
الله وحده ، و لكن يمكن أن نسمى الإنسان بصفة الخلود . فالخلود هبه و منحه
و هبها الله للمخلوقات العاقلة و منحها لعالمى الأرواح : الملائكة و البشر
فكما نزلت بجسدك ضيفاً على عالم الحيوان و ترأست عليه و تملكت ، تنزل فى
عالم الملائكة شريكاً لهم فى الملكوت . و هذا يتضح من مقولتى يوم الدينونة
:
تعالوا إلى يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ( مت25 : 34 ) .
اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس و ملائكته ( مت 25 : 41 ) .
إذن حياة الإنسان ليست موقوته و مؤقته كنظيرة الحيوان و نظرائة فى بقية
الكون ، لأنه يختتمها هنا لكى يبتدئها هناك و ينهيها هنا كى يواصلها فى
عالم آخر أكثر رحاباً وسعه و جمالا و بهاء .
جاء فى كلمات رب المجد يسوع " إن لم تكونوا أمناء فى ما هو للغير فمن
يعطيكم ما هو لكم " ( لو16 : 12 ) و لقد أعتاد أن يأتمنوا الإنسان فى ما
هو ليس له عندما يرونه أميناً فيما له . و لكن كلام الرب يسوع هنا يقلب
الموازين ، فإن وجدك الله أميناً فيما هو للغير ( الأرض الحياة الحاضرة ،
العالم المال ) يعطيك ما هى لك الملكوت الأبدية ( مت25 : 34 ) إذن فنحن
غرباء فى أرض مررنا عليها و عبرنا فى رحلتنا التى نقطة البداية و النهاية
فيها واحدة و هى السماء .
لماذا الإنسان ؟
إن الإنسان يعرف كل الكائنات الأخرى بما فيها ذاته ...
ولا تعرفه أى من الكائنات الأخرى .
ليس الإنسان هو الكيان المادى الذى يحوى الجسد والجسم فقط ... إن الإنسان أعمق من هذا بكثير .
وإن كان جسم الإنسان قد أجهد العلم وأتعب العلماء فى اللهث وراءه , والسعى
وراء نحو كشف مكنونات دواخله , لكنه رغم هذا ليس هذا كله هو الإنسان كله
..
الإنسان أعمق من كل هذا بكثير ...
يتساوى الإنسان مع الحيوان فى المادة ولكنه يختلف عن جميعها فى أشياء كثيرة , يحس بها الإنسان فى داخله .
إن الإنسان هو من أضعف الكائنات على الأرض بجسه هذا حيث أن أصغر
الميكروبات يمكن أن ينتصر عليه , ولكن الإنسان هو الذى يخضع الجبال لسلطته
, ويقوى على كل قوى فى هذا الكون القوى العظيم .
لقد أستطاع الإنسان أن يكشف أغوار الكون بما فيه من مخلوقات غير عاقلة ,
وأخرى كائنات جامدة ... اما هذا الكون كله بكل ما فيه لا يتسنى له أن يعرف
الإنسان .
استطاع الإنسان أن يعرف كل كائن على الكون وبعضا من المكونات فيه . ولكن
من ذا الذى استطاع أن يعرف الإنسان وأن يفهمه , فالإنسان هو الوحيد الذى
يعرف كل الكائنات الأخرى ويعرف أيضا ذاته , أما كل الكائنات لا تعرفه .
الله كذلك , يعرف كل الكائنات التى فى الكون بما فيها الإنسان وبما فيها
ذاته أيضا , لكن الكون كله بكل ما فيه بما فيه الإنسان , لا يمكن أن يصل
إلى معرفة ذات الله .
لقد استطاع الإنسان بالمعطيات البسيطة التى اكتنفه أن يعرف أن الله موجود
وأنه واحد , الكون يتسنى له أن يقدم للإنسان الأدلة الدامغة على أن الله
موجود وفى مقدوره أيضا أن يظهر للإنسان وحدانية الله . لذا لسنا نحن
محتاجين إلى رسالة من السماء أو وحى ينطق لنا بهاتين الحقيقتين . فنحن فى
استطاعتنا معرفتها إذا أحسن الإنسان الإرهاف إلى بواطن نفسه , وأحسن الرنو
بالصبر إلى مكنونات وأسرار الكون العظيم التى تنطق بوجود خالق :
هذا العوالم لفظ أنت معناه : كل يقول إذا استنطقته الله
إن الإنسان يعرف الحيوان معرفة كبرى وكاملة , ويعلم ما لا يعلمه النبات عن
ذاته , ويدرك الطير والحشرة ويفهم ما تفهمه أى من هذه الكائنات عن نفسها .
ولكن هذه الكائنات كلها لا تعرف الإنسان الذى يعرفها ..
فإن كانت بجمعها وجميعها هذا لا يمكن لها معرفة ذاتها أو ذواتها , فهل يمكن لها أن تعرف من هو الإنسان وما هو ؟
أكتشف الإنسان أمورا كثيرة واخترع أمورا كثيرة , وترقى من حال إلى حال
فإنسان العصر الحجرى يختلف عن إنسان العصر البخارى , ويختلف عن كليهما
إنسان عصر البترول , وعن الجميع يرتقى إنسان عصر الكهرباء , أما إنسان عصر
الذرة والإلكترونات فهو يفوق جميعهم ولسنا ندرى ماذا سيأتى بعد .
أما الحيوان فلا ترقى ينتظر أن يأتى منه .
إن الإنسان يبدأ من حيث انتهى سالفه , اما الحيوان فيبدأ من بدأ سابقه .
إن أى تطور لعالم الحيوان نابع من الإنسان , فالإنسان هو الذى يطوعه إذ
يدربه أو يروضه أو يهذبه أو يدخل عليه عالم الميكنة أو ..... إلخ
لقد استطاع الإنسان أن يستعيض عن الحيوان بوسائل كثيرة فاستعاض عن الأغنام
والدواب والإبل بالمركبات والعربات . واستعاض عنه بأمور أخرى كثيرة . أما
الإنسان فهو ضرورة لا يستغنى عنها الحيوان ولا النبات ولولا الإنسان
لأنقرض كل هؤلاء .
إن طبيبا واحدا له أن يعالج كل النباتات وكل الحيوانات وكل الطيور , أما
جسم الإنسان فلكل جزء منه طبيب وتطبيب , ولولا الإنسان لما عولج الحيوان ,
فإنه لا يستطيع أن يشكو أو أن يشخص حالته , والإنسان هو الذى يقوم بهذا
الدور الغائب .
فالإنسان يعرف ذاته أو بعضا منها ... ويعرف كل الكائنات الأخرى أو بعضا منها .... ولكن ليس لهذه الكائنات أن تعرفه .
فالله يعرف ذاته حق المعرفة ... ويعرف الكائنات الأخرى حق المعرفة ...
ولكن ليس لأى من هذه الكائنات بما فيها الإنسان أن تعرف الله على طبيعته
فلاهوته لا يستطاع النظر إليه والتفكير فيه كقول القديس كيرلس الكبير .
قال رب المجد يسوع مخاطبا الآب السماوى :
وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته (يو 17 : 3 )
" أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتنى من العالم . كانوا لك أعطيتم لى وقد حفظوا كلامك " ( يو 17 : 6 )
" أيها الأب البار أن العالم لم يعرفك . أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت
أرسلتنى وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به أتكون أنا فيهم " ( يو 17 : 25 , 26 )
وقال عن الآب السماوى فى موضع آخر :
فنادى يسوع وهو يعلم فى الهيكل قائلا تعرفوننى وتعرفون من أين أنا ومن
نفسى لم آت بل الذى أرسلنى هو حق الذى أنتم لستم تعرفونه أنا أعرفه لأنى
منه وهو أرسلنى( يو 7 : 28 , 29 )
هب أنك رأيت حيوانا يمكن له أن يعرف الإنسان ويدرك طبيعته ويمكن له أن
يشرحها ويقدمها للناس أو الكائنات الأخرى ويمكن أن يقدم الأدلة والتعليل
على هذا الكائن الأعظم " الإنسان " فماذا أنت قائل عنه ؟
لابد وأنك تقول عن هذا الحيوان أنه صار إنسانا لأنه استطاع أن يفهم الإنسان وأن يعيه ويدركه .
وهكذا الأمر يا عزيزى بالنسبة للإنسان مع الله , لو أن الإنسان استطاع أن
يدرك الله فى لاهوته , وفى طبيعته اللاهوتية , يعرف الله على حقيقة طبيعته
لأضحى الإنسان إلها .
إذ لو عرف الحيوان طبيعة الإنسان لما ظل حيوانا بل يصبح إنسانا , هكذا
أيضا لو تجرأ الإنسان فى المعرفة حتى أنه يحلق أو يحدق فى شمس اللاهوت .
جاء فى سفر أيوب المقدس قوله :
فاسأل البهائم فتعلمك وطيور السماء فتخبرك . أو كلم الأرض فتعلمك ويحدثك
سمك البحر . من لا يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا الذى بيده نفس كل
حى وروح كل البشر ( اى 12 : 7 – 10 ) .
وقال لسان العطر ما بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى شعب كورنثوس : "
لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء أين الحكيم , أين الكاتب
. أين مباحث هذا الدهر . ألم يجهل الله حكمة هذا العالم . لأنه إذ كان
العالم فى حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلص المؤمنين
بجهالة الكرازة . لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس (
1 كو 1 : 19 – 25 )
لقد أراد الإنسان أن يتوصل إلى معرفة الله بالعقل فقط . فضل بعيدا وأضل
عقله , وشرد فى غياهب المعرفة الخاطئة , فكما قلنا ليس فى مقدور العقل سوى
أن يصل بالإنسان إلى معرفة أمرين فى الله هما :
· وجود الله وبعض من صفاته .
· وحدانية الله
حتى أن الناس أحيانا يقولون " الله عرفوه بالعقل " . الله لا يعرف بعقل
الإنسان المحدود , إذ لا يمكن لهذا المحدود أن يتسع ليحوى غير المحدود
الأبدى الذى لا أول له ولا آخر .
قال رب المجد يسوع " أجاب يسوع إن كنت أمجد نفسى فليس مجدى شيئا . أبى هو
الذى يمجدنى الذى تقولون أنتم أنه إلهكم ولستم تعرفونه . وأما أنا فأعرفه
. وأن قلت أنى لست أعرفه أكون مثلكم كاذبا . لكنى أعرفه واحفظ قوله ( يو 8
: 55 )
عندما ظهرت الوثنية كانت صورا لبعض من الصفات الموجودة فى الخالق وتحولت
هذه الصفات إلى ألوهية عبدها البشر وصارت المنحوتات معبودات , ذلك لأن
الإنسان سلم قيادته ليد العقل فضل ضلالا شاسعا , فمنهم من رأى فى الله
صورة معطى الخيرات فعبد نهر النيل , ومنهم من رأى فى الله الصرامة فعبد
النار , ومنهم من تخيل فى الله الوجود الكامل فى كل مكان فعبدوا الشمس ,
ومنهم من رأى فى العزلة عن كل الكائنات المادية فعبدوا رموزا وضعوها فوق
شواهق قمم الجبال , ومن ثم تطورت العبادة الوثنية وأصبحت لها فلسفاتها
ومدارسها .
أما معرفة الله الكاملة والتامة فلن تكون فى هذا العالم حيث لا تحتمل
طبيعتنا الضعيفة القاصرة أن تكتشف الله بكل جوهره , ولكنها ستمنح لنا فى
الدهر الآتى .
" أننا الآن ننظر فى مرآه فى لغز , اما حينذاك فسنراه كما هو , الآن نعرف يعض المعرفة أما حينذاك فسأعرف كما عرفت "
قال القديس يوحنا الحبيب :
" أكتب إليكم أيها الأولاد لأنكم قد عرفتم الآب .. كتبت إليكم أيها الأباء لأنكم قد عرفتم الذى من البدء " ( 1 يو 2 : 13 , 14 )
أرأيت إذن يا عزيزى لماذا كان الإنسان على صورة الله ومثاله ؟ إن الإنسان
يعرف كل ما فى الكون بما فيه ذاته وأى منها لا يعرف الإنسان , هكذا الله
يعرف كل كائن حى حتى الإنسان وبما فيه ذاتها وأى منها لا يمكن التوصل إلى
معرفة كنهته أو طبيعته .
سلطته على الكون والكائنات فى الكون :
عندما خلق الله الإنسان قال الكتاب المقدس :
" وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا , فيتسلطون على سمك البحر
وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التى تدب
على الأرض " ( تك 1 : 26 )
للإنسان سلطة عظيمة على هذا الكون العظيم والكائنات فى الكون , فصبى صغير
يمكن له أن يقود جملا ضخما , وجسم ضئيل يشق طريقا فى جبل عظيم
لقد صدق فى هذا القديس غريغوريوس الثيئولوغوس عندما قال : " خلقتنى إنسان
محب للبشر .. وضعت يدك على وكتبت فى صورة سلطانك ووضعت فى موهبة النطق ...
أظهرت لى طبيعة الحيوان وعرفتنى شوكة الموت "
ولقد نجدد وعد الله للإنسان بسلطته على الكائنات التى فى الأرض مرة أخرى
مع نوح حيث قال الكتاب المقدس : " وبارك الله نوحا وبنيه وقال اثمروا
وأكثروا فى واملوا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على مل حيوانات الأرض وكل
طيور السماء مع كل ما يدب على الأرض وكل اسماك البحر قد دفعت إلى كل دابة
حية لكم طعاما فأثمروا أنتم وأكثروا وتوالدوا فى الأرض وتكاثروا فيها " (
تك 9 : 1 – 3 , 7 ) .
فى الكائنات الأخرى قوة تتضاءل أمامها قوة الإنسان لكن فى الإنسان عقلا
تنهزم أمامه قوة الكائنات الأخرى . فغالبا ما ينتصر العقل على القوة
فالقطار العظيم يقوده سائق صغير ضعيف , ضئيل أمام إحدى مكوناته , والمصنع
الكبير يدين بالفضل إلى العقل الإنسان الذى لا يملأ جسمه ركنا من أركانه .
لقد الإنسان بعقله أن يسيطر على الطبيعة كلها وأن ينتصر على المعوقات التى وقفت أمام طموحه .
ارأيت إذن يا عزيزي كيف أن العقل الذى أتاه الإنسان فى دياجير الوثنية فى
رحلة عن الله , هو الذى به تثبت قوة الإنسان وتحكمه فى الطبيعة وسلطته على
كل كائن فى هذا الكون وكل مخلوق فى هذه الخليقة لأن الإنسان هو ملك هذه
الخليقة , وهو كاهنها .
فالإنسان بعقله هو سيد هذه الطبيعة غير العاقلة , ولكنه يخطئ إذا أسلم القيادة الروحية واللاهوتية لهذا العقل .
فقد استطاع الإنسان أن يمتطى الهواء ويتنقل عبر الرياح والأثير ويلقى
بثلقه فوق نعومته , واستطاع أن يمخر الماء ويعبر به بين شط وآخر وبلدة
وأخرى , واستطاع أن يكثف المياه المالحة ويجعل منها مياه عذبة صالحة للرى
والإرتواء , استطاع أن يختزن الشمس ويحفظ طاقتها الحرارية ليستخدمها فى
الحركة والحرارة , واستطاع أن يخرج جذوة نار من ماء , إذا يفصل الإكسجين
المختلط الأيدروجين فى ذراته , واستطاع أن يحول مجرى الأنهار ويمدها طولا
ويوسعها عرضا .
زاحم الإنسان الطيور فى الجو , الأسماك فى العمق وتسلط على كل شئ كوعد الرب القائل له ( تك 1 : 26 , 9 : 1 – 2 , 7 ) .
لقد استثمر الإنسان النار المحرقة المفنية القاضية المخسرة , وجعل منها
الطاقة التى بها تسير العربات والطائرات والقطارات والصواريخ والسفن
والآلات , واستثمر البخار فلم يعد يلقيه فى الجو ويبعث به فى الهواء ويبعث
به نحو الطبيعة , بل جعل منه قوة دفع هائلة , واستثمر حتى الفضلات لرفع
مستوى الأداء فى عوالم مثل عالم النبات .
قاوم الجاذبية الأرضية وارتفع فوقها وتغلب عليها , وبدلا من أن يظل القمر
دائما يعلو هامته , ارتقاه وغيرهم , قاوم حدة الشمس وقسوة البرودة ,
واستطاع الإنسان أن ينتصر حتى على هذه الطبيعة , فعاش فى جو الصيف وهو فى
الشتاء وجو الشتاء وهو فى الصيف .
سخر البرق لحمل وسائله وأفكاره وعواطفه وخلجات قلبه , وبث برامجه المرئية
والصوتية وسخر سم الحية الزعاف ليحوله من داء إلى دواء وعلاج .
حول صفراء الأرض إلى سمراء , وأخذ من الأرض قدر ما استطاع , وضاعف من إنتاج الحيوان وسلالته .... إلخ .