تحتفل اليوم الأحد 15 مايو الكنائس اليونانية بالراهب العظيم باخوميوس مؤسس الشراكة في حياة الرهبنة بالأديرة، وذلك بعد يوم واحد من احتفال الكنائس اللاتينية بهذا الراهب الذي حول الأديرة إلى جامعات استقت منها أوروبا نظمها في التعليم.
فعلى بعد 25 كم شمال محافظة قنا وبالتحديد في قرية فاو قبلى يقع دير الأنبا باخوميوس وهو الدير المهدم الموجود فى حيز السوق حالياً، والذي تم إخفاء كتابات الرهبان في الجبال المحيطة بجانب أوراق وكتابات مكتبة الإسكندرية والتي دفع معتنقي أفكارها في الجدال اللاهوتي الكثير من الخسائر.
وفاو كلمة قبطية تعنى الجبل واستوطنت بها قبائل عربية كثيرة بعد الفتح العربي لمصر حيث إنها تضم بجانب الدير الباخومى رفات الشيخ إبراهيم الفاوى الذي قدم إليها من الفاو بشط العرب بالعراق وكان تلميذا مخلصا لأبى الحجاج الأقصرى وله مسجده المشهور بالقرية.
في أحدث دراسة عن هذا الدير وعن الراهب العظيم، قال الباحث الدكتور محمد عبدالشافى علينا أن نتحسر على هذا المكان المتهدم حاليا، لأن الراهب باخوميوس كان لايعبأ ببناء أديرته في مكان بعيد بحوائط عالية إلا أنه كان يختار الحدائق والزراعات لينشئ أديرته التي كانت ملهمة لجامعات باريس في نظام الأروقة وفي القرن السادس الميلادي أخذ القديس بندكت نظام الأديرة الباخومية وجعله مطبقا في وسط أوروبا وقام ببناء عدة أديرة مازالت موجودة حتى الآن في أوروبا على هذا النسق ولكن للأسف ظلت أديرة أوروبا التي استلهمت من الراهب باخوميوس نظامها باقية بينما لم يبق أى دير لباخوم كامل البناء في مصر.
وفي تلك البقعة التي رصدتها بوابة الأهرام بالصور، كانت تدرس أشعار هزيود ونونوس صاحب الملاحم المعروفة وفيلسوفة الإسكندرية هيباتيا وقام الراهب باخوميوس بإعفاء بعض النساك من الأعمال الشاقة وجعلهم يقومون بنسخ الكتب وكتابتها لتظل مكتبة باخوميوس من أروع المكتبات في عصره بينما فتح ديره لتلاميذ أوروبا من اليونان والرومان والأجانب وجعل لهم منازل خاصة بهم في هذه البقعة، بينما كان ديره أكثر مساحة وخاصة أنه جلب أحجار البازليكيا من أسوان ليؤسس ديره ومنازل تلاميذه ومكتبته العامرة بشتى أنواع الفنون.
يضيف محمد عبدالشافى: تم إخفاء مكتبة باخوميوس في أنحاء متفرقة من الصحارى والجبال بعد الانشقاق الكنسي بين روما والإسكندرية، وهى المكتبة التي كانت تضم المعارف الإغريقية وبعض الأناجيل مثل أناجيل يوحنا ورسائل الرهبان فيما بينهم بجانب نصوص تعاليم المسيحية التي كتبها باخوميوس بنفسه وتم اكتشافها عام 1952 بالقرب من جبل أبو مناع والتي تعرف بمخطوطة بدمور بجانب 13 مجلدا من الأناجيل والكتابات الغنوصية التي أخفاها الرهبان في جبل الطارف والتي تعرف بمخطوطات نجع حمادي القبطية وهى تتضمن عددا من الأناجيل لم تكن معروفة من قبل مثل أنجيل الحق وأنجيل فيلب وأنجيل مريم المجدلية وكانت هذه الأناجيل متداولة منذ القرن الأول الميلادي حتى القرن الرابع الميلادي.
يؤكد الباحث محمد عبدالشافى أن محنة الاضطهاد التي تعرض لها المصريون جعلتهم حريصين على إخفاء هذه المخطوطات وأن فكرة الشراكة التي أبدعها الراهب باخوميوس كانت تجعل من الدير منتجا، حيث جميع الحرف موجودة كالزراعة والنجارة والحدادة والصباغة بجانب الإلمام بالقراءة والكتابة والإتقان الكامل للخط المنسق لذا ساهمت هذه الأديرة في الحفاظ عن الهوية والثقافة المصرية ويضيف، ولكن الكوارث التي حلت بأرض مصر جعلت الرهبان يدفعون الثمن وخاصة في هذا المكان حاليا فقد انتشر الطاعون في محافظة قنا عام 346م ومات عدد كبير من السكان وقد امتد أثره إلى هذه البقعة في منطقة فاو قبلي وكان ممن فقد حياته الراهب باخوميوس ذاته ولكن باخوميوس دفن في قبر غير مميز في الصحراء ليكون عبرة وموعظة لمن بعده في إنكار الذات، كما تدل الوثائق القبطية.
وقد ولد الراهب باخوميوس في عام 285م في قرية "القصر والصياد" التابعة لنجع حمادي حاليا وخدم في شبابه في جيش الإمبراطور قسطنطين واعتنق المسيحية بعد مشاهدته عن قرب للديانة المسيحية التي دخلت مصر وترك حياة الجندية وتتلمذ على يد الراهب بلامون واعتزل الحياة بعدها ليؤسس أديرة الشراكة في مصر ليمتد أثرها للعالم فيما بعد والذي يحتفل به لدوره العظيم في خدمة البشرية هذه البشرية التى تؤمن بكتابات تلاميذه الخالدة والتى تقول " أتنكر أن مصر هى صورة الأديان فى العالم؟! "