من الأمثلة الكثيرة التي تخبرنا عن عمل الرب يسوع الخلاصي لنا، مثل السامري الصالح ( لوقا 10 ) . فعندما سُئل عن من هو القريب الذي يجب أن نحبّه، أجاب الرب بمثل واضعاً اليهودي في موقع الذي يحتاج للمساعدة والسامري الغريب الجنس هو الذي تحنّن عليه. وذلك لكي يعطيهم درساً عن المحبة الحقيقية التي لا تميّز بين إنسان وآخر .. تماماً مثل الله الذي يُشرق شمسه على الصالحين والخطاة على حدٍّ سواء.
يحكي المثل عن "إنسان كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين لصوص، فعرّوه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حيّ وميت".
وذلك الإنسان يمثّل البشرية جمعاء التي انحدرت من الفردوس إلى أرض اللعنة ( المعنى الحقيقي لكلمة أريحا ) بسبب الخطيئة. ومنطقة أورشليم مرتفعة بالنسبة لأريحا. والسفر منها نحو أريحا يتطلّب هبوطاً تدريجياً في منطقة صخرية وعرة. وفي الطريق، كان يكمن له أناس أشرار يمثّلون الشياطين الذين يجرّحوننا بالخطايا ويعرّوننا من المجد الذي كان لنا قبل السقوط. وبعدها لا يشفقون علينا، بل يتركوننا لنهلك من جراحاتنا دون أن يقدّموا لنا يد العون.
ويذكر لنا المثل بأن كاهناً ولاويّاً عبرا ورأيا الإنسان المسكين المُلقى على الطريق، ولكنهما جازا ومضيا دون أن يقدّما له أية مساعدة؛ ولا حتى تفقّداه إن كان لا يزال على قيد الحياة أم لا ! وهذان يمثّلان خدّام الهيكل في العهد القديم الذين كانوا يقومون بتقديم الذبائح الحيوانية وبالشعائر الدينية التي كانت ترمز لذبيحة السيد المسيح على الصليب. ومع كونهما خدّاماً للرب، إلا أنهما بشراً مثلنا ولا يقدران تخليصنا، لأنهم بشر مثلنا وبحاجة لمن يخلّصهم هم أيضاً. وذلك لأن "الأخ لا يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفّارة عنه" ( مزمور 7: 49 ) أي أن كهنوت العهد القديم كان غير كافٍ لإنقاذ البشرية من سقطتها، فقد كان ظلاًّ للحقيقة.
ويخبرنا عن سامري كان مسافراً على دابّته، "جاء إليه ولما رآه تحنّن". لم يقلْ الرب بأن ذلك السامري رآه بالصدفة، بل "جاء إليه".
السامرى الصالح .. وقمة المحبه
والرب يسوع هو ذلك السامري الصالح الذي نزل من السماء ( نزل عن دابّته - أي المستوى المرتفع عن الأرض ) لكي يشفينا من جراحات الخطيئة ويمنحنا الحياة به من جديد.
"فتقدّم وضمّد جراحاته، وصبّ عليها زيتاً وخمراً" : شفانا من جراحتنا صابّاً علينا بلسم الروح القدس ( الزيت ) ودمه الثمين الذي سفكه من أجل خلاصنا على الصليب ( الخمر ) . ليس ذلك فحسب، بل "أركبه على دابّته" : أي أعاد لجنسنا البشري المرتبة السامية التي كانت لنا قبل سقوط أبوينا الأولَين. ثم "أتى به إلى فندق واعتنى به" : والفندق هو كنيسته المقدّسة التي تعتني بأمورنا الروحية، تُنشئنا وتربّينا وتعلّمنا وتهدينا إلى الطريق الصحيح الذي يوصلنا لبرّ الأمان.
"وفي الغد لما مضى، أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتني به ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك" : والديناران يرمزان إلى جسده ودمه الأقدسين واللذين يكفيان للاهتمام روحياً بالبشرية إلى حين مجيئه الثاني الذي به يُكافئ القيّمين على خدمة أبنائه بالخير الوفير. ولا نسمع هنا بأن صاحب الفندق تبرّع بالنفقات أو بخدمة ذلك المسكين مجّاناً. وهكذا يكون الفضل كله لذلك السامري الصالح الذي صنع الرحمة. فلا فضل لنا بأي عمل رحمة نقوم به، لأن أجرتنا مدفوعة سلفاً
هذه هي المحبة العملية، المحبة التي طبّقها الرب، معطياً لنا مثالاً حيّاً لنفعل ذلك أيضاً. والرب لا يميّز بين إنسان وآخر. تماماً مثل الشمس التي لا تستنكف أن تُلقي بنورها ودفئها على المزبلة وعلى الأماكن العفنة الكريهة تماماً مثلما تشرق على الحدائق المليئة بالزهور وعلى الأماكن النظيفة والخلاّبة.
وفي ختام المثل يسأل الرب يسوع عمّن كان قريب ذلك الذي وقع بين اللصوص. فذلك الناموسي لم ينطق بكلمة "السامري" لشدّة عداء وكراهية اليهود للسامريين، بل اكتفى بالقول : "الذي صنع معه الرحمة". وكان جواب الرب له :
"اذهب وافعل هكذا".
ووصية المحبة هي لبّ الكتاب المقدّس الذي يرينا في كل حرف منه أن الله محبة، وأنه يجب على أبنائه أن يتمثّلوا به. فقد طالبنا بأن نكون كاملين في كل شيء. وما أروع أن نتشبّه بمحبته التي بها يعرف العالم كله بأننا تلاميذ حقيقيين لإله المحبة التي دفعته محبته لبذل نفسه حبّاً بنا.
المجد والشكر لمحبتك يا رب !
( منقول للامانه )