الفصل الأول
وحدانية الله في المسيحية
نحن معشر المسيحيين نؤمن باله واحد لا شريك له غير محدود، مالئ السماوات والأرض خالق الكل أزلي قبل الأكوان، أبدى لا نهاية لملكه .
وهذه العقيدة واضحة تماماً فى الإنجيل المقدس وقانون الإيمان المسيحي كما سترى .
1_ السيد المسيح نفسه يوضح هذه العقيدة بفمه الطاهر عندما جاءه أحد اليهود ليسأله عن اعظم الوصايا فأجابه يسوع "أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، وهذه هي الوصية الأولى" ( مر 12: 29 ) وهى صدى وتوكيدلما جاء في ( سفر التثنية 6: 4 –9 ) ولو صيغت هذه الوصية بلغة القرآن لكانت هكذا . ( الله،إلهنا،هو الله الأحد،الله الصمد ) .
2_ وبولس الرسول يوضح أيضا ذلك بقوله "أم الله لليهود فقط أليس للأمم أيضاً . بلى للأمم أيضاً لأن الله واحد" ( رو 3: 29 )
3_ يعقوب الرسول يوضح ذات العقيدة بقوله "أنت تؤمن أن الله واحد . حسنا تفعل" ( يعقوب 2: 19 )
4_ ومن هذه النصوص وغيرها التي يزخر بها الكتاب المقدس أخذ قانون الإيمان المسيحي الذي تردده الكنيسة عل مدى الأجيال قائلين ( بالحقيقة نؤمن بإله واحد . خالق السماوات والأرض ما يرى وما لا يرى ) .
من هذا يا عزيزي لعلك قد أدركت أننا نحن المسيحيين نؤمن باله واحد وليس بثلاثة آلهة أما عن قولنا الآب والابن والروح القدس فهذا ما سنوضح مفهومه الصحيح فى حديثنا عن الثالوث الأقدس فيما يلي .
الفصل الثاني
الثالوث الأقدس في المسيحية
إن عقيدة الثالوث لا تعنى مطلقاً أننا نؤمن بوجود ثلاثة آلهة كما يتوهم البعض، ولكن مفهوم هذه العقيدة هو أن الله الواحد : موجود بذاته، وله كلمة، وله روح كما سنوضح فيما يلي :
فالله موجود بذاته : أي أن الله كائن له ذات حقيقية وليس هو مجرد فكرة بلا وجود . وهذا الوجود هو أصل كل الوجود . ومن هنا أعلن الله عن وجوده هذا بلفظة ( الآب ) [ولا تعنى هذه اللفظة أي معنى مادي أو جسدي بل لأنه مصدر الوجود] .
والله ناطق بكلمته : أي أن الله الموجود بذاته هو كائن عاقل ناطق بالكلمة وليس هو إله صامت، ولقد أعلن الله عن عقله الناطق هذا بلفظة ( الابن ) [كما نعبر عن الكلمة الخارجة من فم الإنسان : بقولنا "بنت شفة" ولا تعنى هذه اللفظة أي معنى مادي أو جسدي بل لأنه مصدر الوجود] .
والله أيضا حي بروحه : إذ أن الله الذي يعطي حياة لكل بشر لا نتصور أنه هو نفسه بدون روح ! ولقد أعلن الله عن روحه هذا بلفظة ( الروح القدس )
ولا يصح أن نفهم من هذه التسميات وجود أية علاقة جسدية تناسلية كما في المفهوم البشرى، وإنما دلالاتها روحية كما سبق الإيضاح وليست هذه التسميات من وضع إنسان أو اختراع بشر وإنما هي كلمات الوحي الإلهي في الكتاب المقدس كما سترى :
1_ قال السيد المسيح لتلاميذه "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" ( الإنجيل بحسب متى 28: 19 )
فالوحدانية واضحة من قوله : عمدوهم "باسم " أي باسم الله الواحد . ولم يقل "بأسماء" لأننا لا نؤمن بثلاثة آلهة لها ثلاثة أسماء حاشا .
والثالوث واضح من قوله في الآية السابقة : "الآب والابن والروح القدس" . فهذا هو الثالوث الذي شرحناه سابقا : الآب هو الذات، والابن هو كلمته، والروح هو الروح القدس، وهذا الثالوث هو واحد .
2_ يوحنا الرسول يؤكد هذا المفهوم بكل وضوح قائلاً "فان الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" ( رسالة يوحنا الأولى 5: 7 ) وبمقارنة الآيتين تجد ألقاب الثالوث الأقدس كالآتي : الآب والابن ( أو الكلمة ) والروح القدس .
هذا هو الثالوث الأقدس في الإله الواحد الذي نؤمن به .
الفصل الثالث
حتمية الثالوث في الوحدانية
مما سبق يتضح أنه لا بد من أن يكون هناك ثالوث في الله الواحد القدوس إذ أنه :
لا يمكن أن الله الواحد الذي أوجد الموجودات كلها يكون هو نفسه بلا وجود ذاتي .
ولا يمكن أن الله الذي خلق الإنسان ناطقاً أن يكون هو نفسه غير ناطق بالكلمة .
كما أنه لا يمكن أن الله الذي خلق الحياة في كل كائن حي أن يكون هو نفسه غير حي بالروح .
لذلك تحتم أن يكون في "الله الواحد" ( ثالوث أقدس ) على نحو ما أوضحنا وهذا هو إيماننا القويم "الله واحد في ثالوث وليس ثلاثة آلهة" .