سفر راعوث
[ مقتطفات من كتابات القمص : تادرس يعقوب ملطى ]
مقدمة :
قصة راعوث ونعمى هى قصة كل جيل ، فقد تنعمت نعمى كسيدة يهودية بنعم إلهية كثيرة إذ تعرفت على الناموس وبعض النبوات وسمعت عن الخلاص وعن أعمال الله مع آبائها ، لكنها وقت الضيق هربت من يهوذا كما من المسيح الخارج من سبط يهوذا لتعيش فى الحياة السهلة التى لموآب ، وكأنها بالنفس التى بعد أن تذوقت نعمة الله جحدته وقت التجربة منطلقة من أحضان يهوذا الحقيقى إلى العالم تشتهى أن تشبع منه ، وكما توجد نعمى توجد أيضا راعوث فى كل جيل التى نشأت فى وسط موآب " بيت أبيها الوثنى " لكنها سمعت عن الإله الحى فخرجت بالإيمان منطلقة إلى بيت لحم لتلتقى مع كلمة الله المتجسد لتجد فيه شبعها وراحتها .
لقد جاء السيد المسيح " لسقوط وقيام كثيرين " ( لو 2 : 34 ) ، تسقط نعمى المستهترة بنعمة الله .. وتقوم راعوث الموآبية بإيمانها الحى به .
+ + +
كاتب السفر :
جاء فى التلمود أن صموئيل النبى هو كاتب هذا السفر ، وقد حوى هذا السفر قصة فتاة موآبية تزوجت إسرائيلى ، وتعلقت بإلهه ، فلما مات أصرت أن ترجع مع حماتها إلى يهوذا لتعيش فى بيت لحم تتعبد معها وتقضى بقية حياتها تحت جناحى إلهها .
موآب جاء ثمرة العلاقة الأثيمة بين لوط – أثناء سكره – مع إبنته الكبرى ( تك 19 : 37 ) ، لذا يرى القديس جيروم أن موآب يشير إلى الشيطان والخارجين عن الله أبيهم ، الذين لا يفكرون فى أبيهم السماوى .
لكن وسط هذه الصورة القاتمة وجدت راعوث الموآبية التى إستطاعت بالإيمان أن تنطلق من عبودية الوثنية لترجع إلى الله أبيها .
+ تحققت قصة راعوث فى عصر القضاة ، والمجاعة المذكورةهنا هى التى حدثت فى أيام جدعون ( قض 6 : 1 – 6 ، 11 ) ، ويرى يوسيفوس المؤرخ أن راعوث عاشت فى أيام عالى الكاهن .
+ يرى البعض أن هذه القصة سجلت لتدعيم الصداقة التى تمت بين داود وملك موآب ( 1 صم 22 : 3 – 4 ) ، ليظهر أن جدته كانت موآبية .
+ هذا هو السفر الوحيد الذى سمى بإسم إمرأة أممية فى الكتاب المقدس نظرا للرتبة الفائقة التى بلغت إليها راعوث .
+ حفظ لنا نسب السيد المسيح إسمها ( مت 1 : 5 ) ، وكشف لنا أن دمها وهى أممية كان يجرى فى عروق مخلص العالم .
+ فى عصر القضاة إنحرف اليهود بوجه عام نحو الوثنية فى تهور شديد ، لكن هذا السفر يعلن أن لله بقية باقية له حتى بين الأمم تتمسك بالإيمان به بلا مطمع أرضى أو شهوة جسدية .
+ قدمت لنا راعوث مثلا حيا للعضو العامل فى الكنيسة ، فإنه يكرم لا من أجل درجته الكهنوتية فى ذاتها ولا لنوع الموهبة وإنما بسبب حياته الإيمانية العاملة فى الرب . لقد توجت راعوث بكرامة فاقت الملك شاول الذى حسب مسيحا للرب لكنه سلك بغير أمانة .
ليتنا فى عملنا فى كرم الرب لا نسعى وراء الدرجات الكهنوتية أو الألقاب والمراكز إنما نحو الحب الخفى الذى يزكينا فى عينى بوعز الحقيقى !
+ + +
راعوث - الإصحاح الأول
العالم والفراغ
خرج أليمالك ومعه إمرأته نعمى وإبناه محلون وكليون من بيت لحم من أجل المجاعة التى حلت فى يهوذا وانطلقوا إلى موآب ، وكأنه بالإنسان الذى يظن فى الكنيسة " بيت لحم " أنها حرمان وفى المسيح أنه خسارة فيخرج إلى العالم بزوجته ( بجسده ) وإبنيه ( مواهبه وطاقاته الروحية والجسدية ) ، لعل العالم يقدر أن يشبع إحتياجاته ويروى جسده وينمى مواهبه ، فيفقد كل شىء حتى نفسه .
( 1 )
هجرة إليمالك وعائلته :
" وَعَمَّتْ مَجَاعَةٌ فِي الْبِلاَدِ فِي أَيَّامِ حُكْمِ الْقُضَاةِ، فَتَغَرَّبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا فِي أَرْضِ مُوآبَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَابْنَيْهِ. " [ 1 ]
إتسم عصر القضاة بإنحطاط روحى مر ، إذ قدم جيل بعد يشوع لا يعرف الرب ولا يذكر عمل الرب فى إسرائيل ( قض 2 : 10 ) ، فجرى وراء الآلهة الغريبة وقد لخص الكتاب هذه الفترة التى استمرت حوالى 450 سنة بالقول : " فى تلك الأيام لم يكن ملك فى إسرائيل ، كان كل واحد يعمل ما يحسن فى عينيه " ( قض 17 : 6 ) .
فى هذه الفترة ظهر أليمالك فى بيت لحم من إفراثه مع زوجته نعمى وإبناه محلون وكليون الذين هاجروا من بيت لحم إلى أرض موآب يطلبون الشبع .
إنطلق من بيت الخبز الحقيقى جائعا ! ولم يدرك أنه فى هذا الموضع يولد السيد المسيح " الخبز السماوى " .
ومع أنه كان منتسبا لأفراثه التى تعنى ( ثمار ) لكنه كان عقيما فى حياته الداخلية .
لقد أنجب إبنان لكنهما لم ينزعا عنه عقمه بل أكداه فالأول يدعى " محلون " أى ( جدب ) أو ( مرض ) والثانى يدعى " كليون " أى ( خراب ) . وكأن هجرة أليمالك لم تأت صدفة ولا عن فكر سريع وإنما عن حياة عقيمة مجدبة عاشها اليمالك سنوات طويلة حتى وهو فى بيت لحم .
أما زوجته فهى " نعمى " التى تعنى ( متنعمة القلب ) لذلك عندما رجعت وأرادت أن تحمل إسما مضادا دعت إسمها " مرة " إذ كانت مرة النفس .
( 2 )
العودة إلى أرض يهوذا :
إن كان أليمالك وعائلته قد تركوا ميراثهم وانطلقوا إلى بلاد غريبة يحتمون فيها بالرغم من تحذير الله لهم من مخالطة الشعوب الوثنية حتى لا يزيغوا عن الحق ( تث 23 : 6 ) ، فقد فقدت نعمى رجلها وتزوج إبناها بموآبيين ليستقروا هناك خلافا للشريعة ( تث 7 : 3 ، 4 ؛ خر 34 : 15 ، 16 ) ، وحتى هذين الإبنين ماتا بلا وارث .
لقد صارت نعمى التى تمثل الجسد المتنعم فاقدة لكل شىء ، فقدت حياتها ( رجلها ) وخسرت مواهبها وطاقاتها الجسدية والروحية إذ مات إبناها ، وتحولت نعمى إلى " مرة " . هنا أدركت الحاجة إلى العودة إلى أرض يهوذا كما إلى الكنيسة .. حيث الشبع الحقيقى والتمتع بافتقاد الله للبشرية ، إذ قيل " فقامت هى وكنتاها ورجعت من بلاد موآب لأنها سمعت فى بلاد موآب أن الرب افتقد شعبه ليعطيهم خبزا " [ 6 ] .
( 3 )
نعمى تشفق على كنتيها :
حملت نعمى لطفا ورقة فى التعامل مع كنتيها ، بلا شك تمسك كنتاها بها حتى وضعا فى قلبيهما أن يتركا شعبهما وآلهتهما وعشيرتهما وينطلقا معها إلى حيث تذهب دون أن تترجيا منها شيئا ، لقد ردا لها الحب بالحب !
طلبت منهما أن يرجعا إلى بلدهما معلنة لهما أنها تطلب لهما أكثر مما تطلبه لنفسها ، ففى محبتها لهما قالت :
" 11فَأَجَابَتْ نُعْمِي: «ارْجِعَا يَابِنْتَيَّ. لِمَاذَا تَأْتِيَانِ مَعِي هَلْ أَنَا قَادِرَةٌ بَعْدُ عَلَى إِنْجَابِ بَنِينَ حَتَّى يَكْبُرُوا فَيَكُونُوا لَكُمَا أَزْوَاجاً 12عُودَا يَابِنْتَيَّ، وَاذْهَبَا، فَأَنَا قَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَعُدْ صَالِحَةً لأَكُونَ زَوْجَةَ رَجُلٍ. وَحَتَّى لَوْ أَمَّلْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ اللَّيْلَةَ وَأُنْجِبَ بَنِينَ أَيْضاً، 13فَهَلْ تَنْتَظِرَانِ حَتَّى يَكْبُرُوا وَهَلْ تَمْتَنِعَانِ عَنِ الزَّوَاجِ مِنْ أَجْلِهِمْ لاَ يَابِنْتَيَّ، فَإِنَّنِي حَزِينَةٌ جِدّاً مِنْ أَجْلِكُمَا لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ قَدْ عَاقَبَتْنِي فَأَصَابَكُمَا الضَّرَرُ أَيْضاً».
كان موقف الكنة الأولى " عرفة " موقفا مشرفا ، فيه روح الحب الباذل ، فقد ودعت حماتها إلى الطريق واشتاقت أن تلازمها حتى النهاية لكن تحت إلحاح حماتها ثلاث دفعات تركتها بعد أن سكبت دموع الحب .
أما راعوث فلم تقدم مثالا بشريا رائعا إنما فاقت الحدود البشرية ، إنطلقت بالإيمان إلى ما فوق الفكر البشرى ، حملت إيمان إبراهيم الذى عبر من حاران إلى كنعان ليتبع الله فيتمتع بالأبوة للأمة المقدسة ، أما هى فبالإيمان إنطلقت من موآب إلى كنعان تتعبد للإله الحى لتهب هذه الأمة خط الملوك ... ومن نسلها يأتى ملك الملوك متجسدا .
( 4 )
إصرار راعوث على العودة معها :
حملت نعمى محبة لكنتيها ، وكانت مثلا حيا للحماة التى تكسب كناتها ، لكن وهى تمثل حرفية الناموس أغلقت باب الرجاء أمامهما فرجعت عرفة أما راعوث فبالإيمان فتحت الباب التى أغلقه حرف الناموس ، إذ فى إصرار أكدت أنها تكمل الطريق ، قائلة :
" 16فَأَجَابَتْهَا رَاعُوثُ: «لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ كَيْ أَتْرُكَكِ وَأُفَارِقَكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ، وَحَيْثُمَا مَكَثْتِ أَمْكُثُ. شَعْبُكِ شَعْبِي، وَإِلَهُكِ إِلَهِي. 17حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَأُدْفَنُ. وَلْيُعَاقِبْنِي الرَّبُّ أَشَدَّ عِقَابٍ إِنْ تَخَلَّيْتُ عَنْكِ، وَلَنْ يُفَرِّقَنِي عَنْكِ سِوَى الْمَوْتِ».
الحب يرتفع فوق الحرف وينطلق بالنفس إلى ما فوق كل حدود حتى الموت ، فقد أصرت أن تموت معها وهناك تدفن .
قدم الله لنعمى الأرملة الشابة الغريبة الجنس لتكون سندا لها ، إن تصرف راعوث كان بمثابة مكافأة إلهية لنعمى على حياتها التقوية ، فما بذرته من حب جنته فى أواخر حياتها .
( 5 )
نعمى وراعوث فى بيت لحم
" 19وَتَابَعَتَا سَيْرَهُمَا حَتَّى دَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ، وَمَا إِنْ بَلَغَتَا الْمَدِينَةَ حَتَّى أَثَارَ رُجُوعُهُمَا أَهْلَهَا وَتَسَاءَلُوا: «أَهَذِهِ هِيَ نُعْمِي» .
دخول نعمى وراعوث إلى بيت لحم حرك المدينة كلها ، إذ توقع الكل أن تدخل نعمى ومعها أولادها وأحفادها مع غنم وخيرات كثيرة … لكنها رجعت فارغة تماما اللهم إلا كنتها الموآبية التى تمثل ثقلا ومسئولية لا عونا . وهكذا صارت نعمى مثلا صارخا للإنسان الذى يطلب تنعمه فى العالم لا الله فيفقد كل شىء ، ربما حتى ملامحه وابتسامته ، إذ قيل : " أهذه نعمى ! " .
إذ دخلت نعمى ومعها راعوث إلى بيت لحم بعد غيبة طويلة : " 20فَقَالَتْ لَهُمْ: «لاَ تَدْعُونِي نُعْمِي بَلْ مُرَّةَ، لأَنَّ اللهَ الْقَدِيرَ قَدْ مَرَّرَ حَيَاتِي. 21لَقَدْ خَرَجْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِي الرَّبُّ فَارِغَةَ الْيَدَيْنِ. فَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي نُعْمِيَ وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ فَجَعَنِي» .
لقد حسبت نعمى أن ما حدث لها ليس فقط علامة على غضب الله عليها وإنما حسبته إعلانا عن خطاياها . لقد كشفت أن ما حل بها ليس مجرد صدفة ولا كوارث طبيعية مجردة لكن يد الله القدير امتدت إلى حياتها لتفضح ضعفها وتكسرها … لأجل بنيانها .
إن كانت قد رجعت فارغة لكن الله يشبعها من حصاد بيت لحم ( الكنيسة ) . إن كانت قد صارت نعمى " مرة " ، فمولود بيت لحم هو وحده يقدر أن ينزع عنها مرارتها ليهبها سلامه وفرحه .
+ يقول أحد الأباء :
[ إننى أرى بعينى قلبى كيف أتنسم المسيح فى قلبى عقليا ، كيف يدخل إليه فيهبه فجأة سلاما وفرحا . لا تتركنى أسكن وحدى بدونك يا واهب الحياة ، يا نسمتى ، يا فرحى ، فإنه يصعب على أن أترك بدونك ] .
+ + +
الإصحاح الثانى
راعوث فى حقل بوعز
إذ جاءت راعوث إلى بيت لحم فى صحبة نعمى دخلت إلى حقل بوعز تجمع السنابل الساقطة ، وكأنها بجماعة الأمم التى دخلت إلى الإيمان وقبلت العضوية الكنسية ( بيت لحم ) ، وقد التصقت بالناموس ( نعمى ) روحيا ... لكنها لم تأت متراخية بل دخلت حقل السيد المسيح " بوعز الحقيقى " تجمع فى أواخر الأزمنة ما قد سبق وتعب فيه الآباء والأبناء .
( 1 )
بوعز جبار بأس :
" وَكَانَ لِنُعْمِي قَرِيبٌ وَاسِعُ الثَّرَاءِ وَالنُّفُوذِ، مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَالِكَ زَوْجِهَا، اسْمُهُ بُوعَزُ " [ ع 1 ] .
إذ جاءت راعوث إلى بيت لحم ظهر بوعز ذا قرابة لها . وكأنها بالمؤمن الذى يدخل إلى العضوية فى الكنيسة بيت لحم ليجد السيد المسيح نفسه قد صار ذا قرابة معه ، إذ ينال فيه البنوة للآب السماوى خلال مياة المعمودية .
دعوته " بوعز " تعنى ( فيه عز أو قوة ) ، ففى المسيح يسوع ندرك أن الله هو عزنا وقوتنا ، نحمله فينا فيرفعنا من أعماق مذلة الهاوية إلى قوة الحياة السماوية ومجدها .
( 2 )
راعوث فى حقل بوعز :
" 2فَقَالَتْ رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ لِنُعْمِي: «دَعِينِي أَذْهَب إِلَى الْحَقْلِ وَأَلْتَقِطِ السَّنَابِلَ الْمُتَخَلِّفَةَ عَنْ أَيِّ وَاحِدٍ أَحْظَى بِرِضَاهُ». فَأَجَابَتْهَا: «اذْهَبِي يَابِنْتِي» 3فَمَضَتْ إِلَى حَقْلٍ وَشَرَعَتْ تَلْتَقِطُ السَّنَابِلَ وَرَاءَ الْحَصَّادِينَ.
حسب الشريعة كانت تترك سنابل الحصاد الساقطة من وراء الحصادين للغريب والمسكين ( تث 24 : 19 – 22 ) . فقد استأذنت راعوث الغريبة الجنس حماتها أن تقوم بهذا العمل وهى أرملة شابة غريبة الجنس .
إنها لم تستنكف من العمل أيا كان نوعه بل ولا عرفت الراحة إذ شهد الحصادون عنها أمام بوعز :
" جاءت ومكثت من الصباح إلى الآن ، قليلا ما لبثت فى البيت " ( ع 7 ) .
خلال جهادها استحقت أن يسأل عنها بوعز : " لمن هذه الفتاة " ( ع 5 ) .
لم يقل : من هذه الفتاة فقد كانت العادة فى الشرق أن تنسب كل فتاة أو إمرأة لرجل ، وبكونها إبنته أو زوجته أو أمته . وإذ لم يعرف الحصادون لها رجل ينسبونها إليه ، أجابوا : " هى فتاة موآبية قد رجعت مع نعمى من بلاد موآب " ( ع 6 ) .
هذا هو حال كنيسة الأمم التى تركت أباها القديم وجاءت إلى يهوذا بلا رجل ... إنها غريبة الجنس ، محتاجة إلى عريس يضمها إليه وينسبها لنفسه .
لقد عاشت راعوث مع نعمى كما مع الناموس روحيا لكنها بلا رجل تنتظر المسيح يسوع عريسا لها .
إنها رفضت كل ماضيها وخبرتها وإنتسابها للشيطان لتتقبل العريس السماوى .
( 3 )
حوار محبة فى الحقل :
إذ انطلقت راعوث إلى حقل بوعز كما إلى العمل الكنسى إستحقت لا أن يسأل عنها صاحب الحقل فحسب وإنما أن يدخل معها فى حوار محبة صادقة . ففى حقله وسط الجهاد الروحى الصادق نلتقى بالإيمان مع السيد لنسمعه يقول لنا :
" 8فَقَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ: «اسْتَمِعِي يَاابْنَتِي، امْكُثِي هُنَا لِتَلْتَقِطِي السَّنَابِلَ وَلاَ تَذْهَبِي إِلَى حَقْلٍ آخَرَ، وَلاَزِمِي فَتَيَاتِي الْعَامِلاَتِ فِيهِ. " ( ع 8 ) .
إنه يدعو النفس التى كانت قبلا غريبة الجنس " يا بنتى " ، مشتاقا ألا تترك حقله ولا تبرح موضعه ، بل تكون دائما فى دائرة حبه تتقبل قبلات فمه ( نش 1 : 2 ) .
سألها أن تلازم فتيانه اللواتى تبعن الحصادين ليربطن الحزم ، فلا تكون كغريبة أو محتاجة إنما كعاملة فى الحقل ، كإبنة صاحب الحقل أو إحدى قريباته ، لذلك يكمل حديثه معها ، قائلا :
" 9رَاقِبِي الْحَقْلَ الَّذِي يَحْصُدُهُ الْحَصَّادُونَ وَاذْهَبِي وَرَاءَهُمْ، فَقَدْ أَوْصَيْتُ الْغِلْمَانَ أَلاَّ يَمَسُّوكِ بِسُوءٍ. وَإِذَا شَعَرْتِ بِالْعَطَشِ فَاذْهَبِي وَاشْرَبِي مِنَ الآنِيَةِ الَّتِي مَلأُوهَا» [ 9 ] .
يطالبها أن تجعل عينها على الحقل وكأنه حقلها ، فقد أوصى الغلمان ألا يمسوها . وإذ يدرك أنها تجاهد وتتعب وأنه فى جهادها تحتاج بالأكثر إلى الماء لتشرب ، سألها أن تذهب إلى الآنية وتشرب مما إستقاه الغلمان .
ما هو هذا الإناء الذى يحمل المياة للعطشى أثناء جهادهم إلا الكنيسة الحية التى تضم فى وسطها السيد المسيح ينبوع المياة الحية .
أمام هذه المحبة الغامرة ، إذ قدم لها ينبوع المياة الواهبة الحياة:
" 10فَانْحَنَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الأَرْضِ وَقَالَتْ لَهُ: «كَيْفَ لَقِيتُ حُظْوَةً لَدَيْكَ فَاهْتَمَمْتَ بِي أَنَا الْغَرِيبَةِ» [ 10 ]
إن عطية الروح القدس التى يفيض بها السيد المسيح على النفس البشرية خلال كنيسته تهب روح الخضوع والإتضاع فتنحنى لتسجد إلى الأرض إعترافا بفضله وعلامة شكرها على العطية التى لا تستحقها .
فى اتضاع اعترفت راعوث أنها غريبة ولا تستحق هذا الكرم فتزداد فى عينى بوعز جمالا ، ويذكر لها أعمالها الفاضلة ليمجدها . قائلا :
" 11فَأَجَابَهَا بُوعَزُ: «لَقَدْ بَلَغَنِي مَا أَحْسَنْتِ بِهِ إِلَى حَمَاتِكِ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِكِ، حَتَّى إِنَّكِ تَخَلَّيْتِ عَنْ أَبِيكِ وَأُمِّكِ وَأَرْضِ مَوْلِدِكِ، وَجِئْتِ إِلَى شَعْبٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ مِنْ قَبْلُ." [ 11 ]
يختم بوعز حديثه معها بقوله : "12لِيُكَافِئْكِ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، الَّذِي جِئْتِ لَتَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ، وَفْقاً لإِحْسَانِكِ. وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلاً مِنْ عِنْدِهِ».[ 12 ]
أمام هذه العطية العظمى تنسحق راعوث فى أعماقها لتقدم لبوعز شكرها فى إتضاع ، قائلة :
" 13فَقَالَتْ: «لَيْتَنِي أَظَلُّ مُتَمَتِّعَةً بِرِضَى سَيِّدِي، فَقَدْ عَزَّيْتَنِي وَطَيَّبْتَ قَلْبَ جَارِيَتِكَ، مَعْ أَنَّنِي لاَ أُسَاوِي وَاحِدَةً مِنْ جَوَارِيكَ».[ 13 ]
إن كان بوعز يضمنا إليه عروسا متحدة معه ، وأعضاء فى جسده المقدس ، يليق بنا أن نقدم حياتنا كلها ذبيحة شكر مدركين أنه طيب قلبنا ورفعنا نحن غير المستحقين أن نحسب كأجراء أو كعبيد له .
أما علامة إتحاده بها فإنه يطلب منها أن تشاركه طعامه السماوى وشرابه الأبدى .
تجالس ملائكته ( الحصادين ) وتنعم بالشبع ويفضل عنها . إذ يقول لها :
" 14وَعِنْدَمَا حَلَّ مَوْعِدُ الأَكْلِ، قَالَ لَهَا بُوعَزُ: «تَقَدَّمِي وَكُلِي بَعْضَ الْخُبْزِ، وَاغْمِسِي لُقْمَتَكِ فِي الْخَمْرِ». فَجَلَسَتْ بِجَانِبِ الْحَصَّادِينَ، فَنَاوَلَهَا فَرِيكاً فَأَكَلَتْ وَشَبِعَتْ وَفَاضَ عَنْهَا " [ 14 ]
ما هو وقت الأكل هذا إلا خميس العهد إذ تقدمت الكنيسة لا لتأكل خبزا من يديه بل جسده المقدس ولا تغمس لقمتها فى الخل بل تمتعت بدمه الطاهر ، فجلست بهذا لا بجوار حصادين أرضيين بل بجوار الملائكة حصادى السماء الذين ينتظرون يوم الحصاد ليأتوا مع الديان على السحاب يحصدون النفوس المقدسة لحساب ملكوته ليعيش الكل ككنيسة سماوية واحدة مسبحة الفادى إلى الأبد !
هذا الخبز السماوى الذى ننعم به .. إنما يسندنا للعمل فى كرمه حتى لا نخور فى الطريق .. إذ يقول بوعز لغلمانه :
" 15ثُمَّ قَامَتْ لِتَلْتَقِطَ سَنَابِلَ. فَأَمَرَ بُوعَزُ غِلْمَانَهُ قَائِلاً: «اتْرُكُوهَا تَلْتَقِطُ سَنَابِلَ بَيْنَ حُزَمِ الشَّعِيرِ أَيْضاً وَلاَ تَمَسُّوهَا بِأَذًى، 16بَلِ انْتَزِعُوا بَعْضَ السَّنَابِلِ مِنَ الْحُزَمِ وَاتْرُكُوهَا لَهَا لِتَلْتَقِطَهَا، وَلاَ تُضَايِقُوهَا». [ 15 ، 16 ]
فى اختصار نقول أن حوار المحبة الذى دار بين بوعز وراعوث كشف عن محبة السيد المسيح الفائقة لعروسه التى دعاها لإبنته ...
4 –
راعوث فى بيت نعمى :
" 17وَظَلَّتْ رَاعُوثُ تَلْتَقِطُ إِلَى الْمَسَاءِ. ثُمَّ خَبَطَتِ السَّنَابِلَ الَّتِي الْتَقَطَتْهَا فَوَجَدَتْ أَنَّهَا نَحْوَ إِيْفَةِ شَعِيرٍ (أَيْ نَحْوَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِتْرَ شَعِيرٍ)، 18فَحَمَلَتْهَا وَقَدُمَتْ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَرَأَتْ حَمَاتُهَا مَا الْتَقَطَتْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ مَا فَاضَ عَنْهَا مِنْ طَعَامٍ بَعْدَ شَبْعِهَا وَأَعْطَتْهُ لِحَمَاتِهَا " [ 17 ، 18 ] .
بعد يوم طويل قامت فيه راعوث بالعمل منذ الصباح حتى المساء دون أن تستريح جسديا جمعت الكثير من الشمائل الساقطة ، خبطتها بعصا لتفرز الحبوب من التبن ، فتدخل إلى المدينة وتقدم لحماتها نحو إيفة شعير تكفيهما حوالى خمسة أيام . لكنه يوم مفرح وبهيج فيه إلتقت ببوعز وتمتعت بحديثه الطيب وبأعماله الرقيقة .
لعل الذى فرح قلب نعمى ليس " إيفة الشعير " التى جاءت بها راعوث فى نهاية اليوم بعد شبعها ، وإنما بالأكثر رأت على ملامحها علامات فرح وبهجة قلب ، فأدركت أنها نالت بركة ، لذا قالت لها : «أَيْنَ الْتَقَطْتِ الْيَوْمَ، وَفِي أَيِّ حَقْلٍ عَمِلْتِ لِيُبَارِكِ الرَّبُّ مَنْ كَانَ عَطُوفاً عَلَيْكِ». فَأَخْبَرَتْ رَاعُوثُ حَمَاتَهَا عَمَّنِ اشْتَغَلَتْ فِي حَقْلِهِ وَقَالَتْ: «اسْمُ الرَّجُلِ الَّذِي عَمِلْتُ فِي حَقْلِهِ الْيَوْمَ هُوَ بُوعَزُ». [ 19 ]
لم تجد نعمى فى راعوث علامات إرهاق شديد أو تذمر وضيق بل وجدت فيها روح الفرح فقالت : 20فَقَالَتْ نُعْمِي لِكَنَّتِهَا: «لِيَكُنِ الرَّبُّ مُبَارَكاً لأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّ عَنِ الإِحْسَانِ إِلَى الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ».
ثُمَّ اسْتَطْرَدَتْ: «إِنَّ الرَّجُلَ قَرِيبٌ لَنَا، وَهُوَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا». [ 20 ]
يقول الكتاب : " 23فَلاَزَمَتْ رَاعُوثُ فَتَيَاتِ بُوعَزَ اللاَّقِطَاتِ السَّنَابِلَ، حَتَّى تَمَّ حَصَادُ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ أَيْضاً وَأَقَامَتْ مَعْ حَمَاتِهَا." [ 23 ]
هكذا يليق بنا أن نسكن مع الناموس الروحى الذى فيه ننعم بالسيد المسيح لا خلال الحرف القاتل والشكل الجاف وإنما خلال الروح الحى .
+ + +
الإصحاح الثالثراعوث فى بيت بوعز
وجهت نعمى راعوث للذهاب إلى البيدر لتلتقى ببوعز فى المخدع تسأله أن يسترها بدمه ويقبلها متحدة معه بعد أن ترملت زمانا وعاشت بلا رجل .
1 –
إرشادات نعمى لراعوث :
تقدمت راعوث بنحو إيفة شعير لحماتها فى أول يوم عملها وتزايد النتاج يوما بعد يوم ، أما نعمى فكانت تطلب ما لكنتها لا ما لنفسها ، تريد أن تراها قد اتحدت بالزواج الناموسى لتقيم نسلا للميت ، فهذا أفضل لها من كل نتاج مادى ، لذا فى نهاية حصاد الشعير وحصاد الحنطة قالت لها :
" وَذَاتَ يَوْمٍ قَالَتْ نُعْمِي لِكَنَّتِهَا رَاعُوثَ: «هَلْ أُحَاوِلُ أَنْ أَجِدَ لَكِ زَوْجاً يَرْعَاكِ فَتَنْعَمِي بِالْخَيْرِ " [ 1 ]
كأنها بالناموس الذى غايته المسيح ( رو 10 : 4 ) ، تشتهى أن تنطلق كل نفس إلى بوعز لتتحد معه .
لقد سبق فالتقت راعوث ببوعز فى الحقل أثناء جهادها النابع عن إيمانها الحى والآن تلتقى به ليلا فى البيدر فى المخدع أى خلال الحياة التأملية السرية . لقد سمعت صوته ونالت وعوده فى الحقل والآن تود أن تتمتع بشخصه وتكون فى حضنه فى المخدع ...
إنها صورة الحياة الإيمانية الواحدة التى فيها نتعرف على السيد ونقبله عريسا لنا خلال العمل والتأمل معا بكونهما حياة إيمانية واحدة ومتكاملة .
كانت نصيحة نعمى لراعوث : " 2أَلَيْسَ بُوعَزُ الَّذِي عَمِلْتِ مَعْ فَتَيَاتِهِ قَرِيباً لَنَا هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ اللَّيْلَةَ، 3فَاغْتَسِلِي وَتَطَيَّبِي وَارْتَدِي أَجْمَلَ ثِيَابِكِ وَاذْهَبِي إِلَى الْبَيْدَرِ، وَلاَ تَدَعِي الرَّجُلَ يَكْتَشِفُ وُجُودَكِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. 4وَعِنْدَمَا يَضْطَجِعُ عَايِنِي مَوْضِعَ اضْطِجَاعِهِ، ثُمَّ ادْخُلِي إِلَيْهِ وَارْفَعِي الْغِطَاءَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَارْقُدِي هُنَاكَ، وَهُوَ يُطْلِعُكِ عَمَّا تَفْعَلِينَ».[ 2 – 4 ]
لقد كشفت لها الطريق الملوكى الذى به تنطلق النفس إلى العريس لتتحد معه ، أما ملامحه فهى :
أولا : " اغتسلى " فلا دخول إلى العريس إلا خلال مياة المعمودية حيث ننعم بالأغتسال الداخلى لضمائرنا والتمتع بقوة قيامة عريسنا .
ثانيا : " تدهنى " : إذ تغتسل بمياة المعمودية تتقبل العضوية فى جسد المسيح كعروس للرأس ، والآن تتقبل دهن الميرون ليكون لها روحه القدوس ساكنا فيها ، الذى وحده يقدسها مهيئا إياها للعرس الأبدى .
ثالثا : " ألبسى ثيابك " : إذ تغتسل من خطاياها وتتقبل روحه فيها إنما ليهيئها لقبول السيد المسيح كثوب بر يستر كل ضعفاتها ، أو ليخفيها فيه فتظهر لدى الآب حاملة سماته فتكون موضع سروره .
رابعا : " إنزلى إلى البيدر " : فى البيدر يذرى المحصول لفرز الحبوب من التبن ، وكأنه يشير إلى الدينونة حيث يفرز الأبرار عن الأشرار ، لهذا يليق بنا أن ننزل بروح الإتضاع حتى نلتقى بالرب الديان . لننشغل به كديان حتى فى اللحظات التى نرى فيه يديه مبسوطتين لنا كعريس محب .
خامسا : " لا تدعى الرجل يعرف وجودك " : كأنه يليق بنا أن ننتظر حتى يخرج الخدم والحشم لنلتقى به وحده وندخل معه فى مناجاة محبة !
سادسا : " ادخلى واكشفى ناحية رجليه واضطجعى " : تسألها أن تدخل .. والدخول إلى الرب يحمل فى طياته خروج من محبة هذا العالم . بمعنى آخر لنخرح من إهتمامات العالم وإغراءاته وندخل إلى دائرة محبة الله ، هناك نكشف رجليه أى نتعرف على أسراره الإلهية قدر ما نحتمل كبشريين . مادمنا فى العالم لا نقدر أن نكشف إلا رجليه أما فى الدهر الآتى فنراه وجها لوجه نعرف أسرارا أعمق وندرك أمورا لم نكن نحتمل إدراكها فى هذا العالم .
أما اضطجاعها فيعنى قبولها آلامه حتى الموت والدفن معه .. فلا قبول للعريس المصلوب إلا خلال دائرة الصليب ، ولا قيامة لنا معه إلا بالدفن أيضا معه .
2 –
راعوث تلتقى ببوعز :
دخلت راعوث سرا إلى بوعز فى طرف العرمة أى عند أطراف أكوام السنابل التى ديست بالنورج فى إنتظار التذرية .
كشفت رجلى بوعز لتعلن له أنها قريبته ، فى حاجة إلى رجل يسترها . هذا ما أعلنته راعوث نفسها بقولها : " 9فَتَسَاءَلَ: «مَنْ أَنْتِ»
فَأَجَابَتْ: «أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ، فَابْسُطْ هُدْبَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ قَرِيبٌ وَوَلِيٌّ».[ 9 ]
لقد استجاب الرب لصوت راعوث إذ يقول :
" قد كنت عريانة وعارية ، فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب ، فبسطت ذيلى عليك وسترت عورتك وحلفت لك ودخلت معك فى عهد يقول السيد الرب فصرت لى " ( خر 16 : 7 ، 8 ) .
بارك بوعز حكمتها ومحبتها ، قائلا :
" فَقَالَ: «لِيُبَارِكْكِ الرَّبُّ يَابِنْتِي لأَنَّ مَا أَظْهَرْتِهِ مِنْ إِحْسَانٍ الآنَ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا أَظْهَرْتِهِ سَابِقاً، فَأَنْتِ لَمْ تَتَهَافَتِي عَلَى الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ. 11وَالآنَ لاَ تَخَافِي يَاابْنَتِي، سَأَفْعَلُ كُلَّ مَا تَطْلُبِينَ، فَأَهْلُ مَدِينَتِي كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ." [ 10 ، 11 ]
باركها لأنها أحسنت فى الأول حين كانت أمينة لرجلها محبة لحماتها ، وإذ مات رجلها كملت حبها بحب أعظم إذ لم تجر وراء الشبان فقراء كانوا أو أغنياء . لم تطلب شهوات الجسد ، لكنها جاءت إلى وليها الثانى بالرغم من شيخوخته . أمام هذه الأمانة التى شهد بها الجميع عنها وعدها أن يقضى لها حق الولى ويكون لها زوجا ينجب ليقيم إسم الميت إن رفض الولى الأول أن يقضى حق الولاية .
3 –
عودة راعوث إلى حماتها :
فى الصباح الباكر جدا صرف بوعز راعوث إلى حماتها غير فارغة ، بل اكتال لها ستة من الشعير . فى النهار بعد تعب شاق نالت إيفة من الشعير أى ثلاثة أكيال ، أما فى لقائها المملوء محبة فنالت الضعف لأنها طلبته هو لا خيراته ، لكن ما كان يمكنها أن تلتقى به فى البيدر لو لم تتعرف عليه أيضا فى الحقل . ولما تمتعن بالحياة التأملية ما لم يكن لها حياة العمل الروحى .
إذ رجعت راعوث سألتها حماتها : " من أنت يا بنتى " ( ع 16 ) . لعلها لم تستطع أن تتعرف عليها فقد تغيرت ملامحها بسبب الفرح ، أو لعلها أرادت أن تسألها : هل أنت راعوث الأرملة الغريبة الجنس المسكينة ! أم راعوث عروس بوعز !
ليتنا نلتقى بربنا يسوع فتتغير ملامحنا خلال فرحنا به ، وإنتسابنا له .
+ + +
الإصحاح الرابع
راعوث والعرس السماوى
جلس بوعز عند باب المدينة ليقتنى راعوث عروسا له بعد أن ينتهى أمر عدم فكاكها من وليها الأول أى الناموس ، مقتنيا ما لأبيمالك وإبنيه ليقيم نسلا للميت .
1 – بوعز يقتنى ما لأبيمالك :
إذ أراد بوعز أن يقتنى راعوث زوجة له ليقيم منها نسلا للميت كان لزاما أن يسأل الولى الشرعى الأول إن كان يفك هو أم يتنازل عن حقه لبوعز بكونه الولى الثانى لها ، وقد وصف لنا الكتاب إقامة مجلس من الشيوخ لتدبير هذا الأمر ، إذ يقول : " فصعد بوعز إلى الباب وجلس هناك وإذا بالولى الذى تكلم عنه بوعز عابر ، فقال : مل واجلس هنا أنت يا فلان الفلانى ، فمال وجلس ، ثم أخذ عشرة رجال من شيوخ المدينة وقال لهم : اجلسوا هنا ، فجلسوا ... " ( ع 1 ، 2 ) .
جلس بوعز عند باب المدينة – كعادة اليهود لحل المشاكل - لعرض الأمر على مجلس للشيوخ ، واكتمل النصاب القانونى للمجلس [ 10 شيوخ ] .
أما الولى الأول فرفض الكتاب ذكر اسمه لأنه غير مستحق لذكر اسمه ، إذ أراد أن يقتنى حقل أليمالك ويدفع الرهن أو الثمن لضمه إلى ميراثه ، وإذ عرف أنه يلتزم بالزواج براعوث ليقيم نسلا للميت ويعود حقل أليمالك لإبنها بعد أن يدفع الولى الثمن رفض ، إذ حسبها صفقة خاسرة . إنه مستعد أن يفدى الأرض ولا يبالى بإقامة النسل للميت ، يود أن يقتنى التراب أما النفوس قبلا قيمة فى عينيه .
يقول الولى الأول : " فك أنت لنفسك فكاكى ، لأنى لا أقدر أن أفك " ( ع 6 ) . كلمة " يفك " هنا تعنى ( يخلص ) ، فإن الولى الأول أى الناموس الذى تولى الولاية على الإنسان لا يستطيع أن يخلص إنما يسلم الولاية للنعمة الإلهية حيث يستطيع السيد المسيح وحده أن يخلص الإنسان ويفكه من رباطات العبودية المرة .
أما فكرة خلع النعل وتسليمه للولى الثانى الذى قبل أن يفك لنفسه ما للميت إنما تشير إلى عدم أحقية الولى الأول أن يطأ أرض الميت بل سلم الحق لغيره لكى يطأها ويمتلكها مقيما نسلا للميت .
2 – بوعز يقتنى راعوث :
لم يكن قلب بوعز فى حقل أليمالك أو أرضه وإنما فى إقتناء راعوث لتنجب لحساب الميت ليقيم إسمه ولا ينقرض بين إخوته ( ع 10 ) . وقد بارك الكل هذا الروح الباذل المملوء حبا وسألوا الرب أن يبارك له فى راعوث فيجعلها كراحيل وليئة ، ويجعل له إسما فى إفراته ، ويجعل نسله كفارص الذى ولدته ثامار .
أولا : يبارك إمرأته كما بارك زوجتى يعقوب ليئة وراحيل فتكون أما لا لأمة إسرائيل وإنما لجماعة الملوك ( داود ونسله ) حتى يأتى ملك الملوك متجسدا من إبنتها القديسة مريم .
ثانيا : من جهة إسمه يكون " ببأس فى إفراته " ، أى إسم لبوعز أعظم من أنه صار رمزا لشخص السيد المسيح !
ثالثا : أن يكون بيته كبيت فارص الذى ولدته ثامار ، هذا الذى إقتحم أخاه زارح وسلب منه البكورية ( تك 28 : 29 ، 30 ) . هكذا إقتحم بوعز وليه الأول وسلب منه البركة .
3 –
راعوث تنجب عوبيد :
" 13 فَتَزَوَّجَ بُوعَزُ مِنْ رَاعُوثَ وَعَاشَرَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَأَنْجَبَتِ ابْناً. 14فَقَالَتِ النِّسَاءُ لِنُعْمِي: «لِيَكُنِ الرَّبُّ مُبَارَكاً الَّذِي لَمْ يَحْرِمْكِ الْيَوْمَ وَلِيّاً، وَلْيَذِعِ اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ، 15لأَنَّ كَنَّتَكِ الَّتِي أَحَبَّتْكِ هِيَ أَكْثَرُ خَيْراً لَكِ مِنْ سَبْعَةِ أَبْنَاءٍ، وَقَدْ وَلَدَتْهُ لِيَكُونَ سَبَباً فِي إِحْيَاءِ نَفْسِكِ وَرِعَايَتِكِ فِي شَيْخُوخَتِكِ».[ 13 – 15 ] .
فى الكتاب المقدس ينسب الطفل للأب ، أما هنا فينسب لراعوث ، إذ قيل : " أعطاها الرب " ولم يقل : " اعطاه " . أما إنه وهب لها لينسب شرعيا لرجلها الميت .. إنه ثمرة إيمانها بالله القادر أن يهب حياة بعد الموت ، لذا قالت النساء : " ويكون لك لإرجاع نفس " ، إذ رد لأبيه الميت إسما فصار كأنه حى .
" عوبيد " ( 17 ) الذى يعنى ( عبد ) يشير إلى السيد المسيح الذى من أجلنا صار عبدا ( فى 2 : 7 ) ، يوهب للنفس المؤمنة لتحمله فى أحشائها كما حملت راعوث عوبيد .
إن كان السبعة بنين يشيرون إلى بركة الرب ( 1 صم 2 : 5 ) فإننا إذ نحمل " عوبيد الحقيقى " فينا ، نحمل كلمة الله الذى صار عبدا ... نحسب أفضل من سبعة بنين .
" فأخذت نعمى الولد ووضعته فى حضنها وصارت له مربية " ( ع 16 ) .
or=red]]4 – انتساب داود لراعوث :
[/center]يختتم السفر بإعلان مجىء " داود " كثمرة من ثمار جدته راعوث ، فبدأ الجذر الملوكى المقدس فى الأمة اليهودية لتنمو الشجرة وتأتى بالثمرة الفريدة " إبن داود " الملك الروحى الحق .
هكذا بدأ السفر بالمجاعة التى بسببها انطلق أليمالك وعاءلته من يهوذا إلى موآب وانتهى بالشبع الحقيقى حيث ينعم العالم كله بإبن داود " مشتهى الأمم " .
+ + +