من جملة الامتيازات الرائعة التي صارت للمؤمنين بنعمة الله، امكانية الدخول الى الاقداس السماوية روحيا، والتقابل مع الله كمن اصبح ابا لنا، والتحدث اليه بالصلاة، متوقعين سماع صوته من خلال استجابة طلباتنا بحسب مواعيده لنا في الكتاب المقدس. الا انه يجب الاخذ بعين الاعتبار ان علاقتنا بالله هي علاقة روحية وليست جسدية، بحيث اننا لا نتوقع ان نرى الله او ان نسمعه كما نرى ونسمع الناس الذين يحيطون بنا. ولكن بكل تأكيد نستطيع سماع صوت الله روحيا. اي ادراك مشيئته واستيعاب الرسائل التي يريد ايصالها لنا.
ان سماع صوت الله يتطلب منا ان نكون في الحالة الروحية المناسبة. فالمشاعر العاطفية الجسدية لا يمكن الاعتماد عليها لسماع صوت الله، انما الوجود في حالة روحية متوافقة مع قداسته ومشيئته. قال ربنا يسوع "الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا" يو 4 : 24. فاذا كنا في الحالة الروحية المناسبة ونسير امام الله بحسب الحق الموجود في كلمته، فلا بد ان نسمع صوته في دواخلنا روحيا، مشجعا وموجها ومشددا بحسب الحاجة.
هذه بعض الشروط الواجب توفرها لنكون متأكدين من اننا نسمع صوت الله يكلمنا روحيا.
الشرط الاول :
هو قبول المسيح بالايمان كالفادي والمخلص. قال ربنا يسوع "لا يقدر احد ان يقبل الي ان لم يجتذبه الآب الذي ارسلني وانا اقيمه في اليوم الاخير. انه مكتوب في الانبياء، ويكون الجميع متعلمين من الله. فكل من سمع من الآب وتعلم يقبل الي" يو 6 : 45. فمجرد المجيء الى المسيح بالايمان هو عمل استجابة من قبلي لصوت الله الذي سمعته في اعماقي في لحظة من اللحظات يدعوني للمجيء الى المسيح يسوع بالايمان للنجاة من الدينونة. فالمسيح يقرر في الآيات السابقة ان من يأتي اليه بالايمان هو شخص استمع لصوت الآب، لان الآب يكلمنا في الابن كما تقول الرسالة الى العبرانيين "الله بعدما كلم الآباء بالانبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الايام الاخيرة في ابنه" عب 1 : 1 و 2. لذلك يحث الروح القدس الناس على طاعة صوت الله عند سماعه يدعوهم الى قبول المسيح للخلاص بالقول "اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" عب 3 : 7 و 8.
الشرط الثاني
هو الشبع بكلمة الله. فنحن حين نقرأ في الكتاب المقدس نكون عمليا في حالة استماع الى صوت الله يكلمنا من خلال الكتاب. فاذا كنا نقرأ كلمة الله بروح الخشوع وبرغبة قلبية صادقة بحفظها في قلوبنا وطاعتها في حياتنا العملية، سنكتشف اننا بالفعل نستطيع سماع صوت الله يرشدنا الى ما يجب عمله او تقريره في مواجهة اي ظرف من الظروف التي نتعرض لها. فعندما يهاجمنا ابليس بتجربة معينة، ثم تلمع في افكارنا الآية المناسبة التي تعيننا على مواجهة الموقف والانتصار على التجربة، نكون عمليا في حالة استماع لصوت الله. لذلك يقول الكتاب "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى. وانتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح واغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب" كو 3 : 16. والرسول الى العبرانيين يوبخ من وصفهم بمتباطئي المسامع تجاه اقوال الله، بسبب عدم تغذيهم بلبن الكلمة، ويشجعهم على تناول طعام الكلمة المقدسة القوي لكي يصيروا بالغين روحيا، الامر الذي يجعل حواسهم مدربة على سماع اقوال الله والتمييز بين الخير والشر.
الشرط الثالث
هو البقاء في حالة النقاوة الروحية. فالامتلاء بالروح القدس امر ضروري جدا لسماع صوت الله، لان التساهل مع الشر في حياتنا العملية يؤدي الى احزان الروح القدس الذي فينا كمؤمنين، ما يعطل الشركة التي تجمعنا مع الله، فنفقد امكانية سماع صوته. ولنتذكر ان الروح القدس الذي فينا هو الذي يقدم صلواتنا الى الله شافعا فينا كما يقول الكتاب "وكذلك الروح ايضا يعين ضعفاتنا. لاننا لسنا نعلم ما نصلي لاجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح، لانه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين" رو 8 : 26 و 27. فلا يمكننا سماع صوت الله في حالة احزان الروح القدس. وعلى العكس من ذلك، فان انتعاش الروح فينا، ولا سيما في حالة التغذي المستمر بكلمة الله، يجعلنا نميز تماما صوت الله كما يقول الكتاب ايضا "ما لم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما أعده الله للذين يحبونه، فأعلنه الله لنا نحن بروحه. لان الروح يفحص كل شيء حتى اعماق الله. لان من من الناس يعرف امور الانسان الا روح الانسان الذي فيه هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله ... لانه من عرف فكر الرب فيعلمه. واما نحن فلنا فكر المسيح" 1كو 2 : 9-16.
يبقى ان نعلم ان النمو الروحي يفتح امامنا آفاقا اوسع لفهم المشيئة الالهية والقبول بها، حتى ولو كانت استجابة الصلاة مغايرة لما نريده او نتمناه نحن. فالله الكلي الحكمة يعرف اكثر منا ما هو لازم ومفيد لنا، كما انه يأخذ بالاعتبار دواعي مجده وكرامته في حياتنا. فان كنا نصغي اليه من خلال شركة الصلاة، ولا نسمح لضجيج رغباتنا وارادتنا الشخصية بان يطغى على صوته اللطيف الهادىء في اعماقنا، سنختبر ما اختبرته عروس سفر النشيد عندما قالت "صوت حبيبي. هوذا آت ..." له المجد والكرامة من الآن والى ابد الآبدين. آمين.