سلام ونعمة://
كيف اصلى من المزامير اواستفيد
من الأشياء التي تشجعنا على الصلاة بالمزامير :
1-السكون (الهدوء الداخلي والخارجي):
الإنسان مركب من روح وجسد. فالروح تتأثر بالوضع الجسدي، والجسد يتأثر بحالة الروح. فحينما يكون الماء غير هادئ لن ترى فيه صورتك ولكنك تراها فيه حينما يهدأ، فحينما تهدأ ستجد التعزية في الصلاة.
وما غلق الباب إلا سكون النفس وغلق الشفاه أمام فاحص القلوب. ادخل إلى أعماقك بالخلوة فسوف تكتشف أنها لم تثمر بعد، وكل غصن لا يثمر يقطع…… بها ترى نفسك عارية مفضوحة أمام الذي معه امرنا. سترى صورتك كما في مرآة الله وتكتشف قبح منظرك وتشويه صورتك التي على شبه صورة الله.
سترى خطاياك واضحة تتقدمك للقضاء… وسوف أرى أنه ليس في جسدي شيء صالح بالمرةَّ، وحينما أعرف ضعفي سيكون لي في المسيح قوة كما قال لبولس الرسول " قوتي في الضعف تُكمَّل ".
إن الماء العكر إذا وضعته في إناء وابتعدت عنه يعود صافياً كذلك النفس في الخلوة تتنقى وتصل إلى الطهارة… لقد جرَّب داود الخلوة فكان يقول " كنت أبعد هارباً وأبيت في البرية ".
2-القراءات الروحية:
إذا أردت أن تفهم سفر المزامير وتصلي به أفهم المواقف التي قيلت فيها ومن أجلها هذه المزامير. ومعروف أن القراءة تصقل الموهبة وتجعل الإنسان الخفي خليقة جديدة بالقراءة فتجمع العقل وينفتح أمامه باب الإلهام، فالعقل ينطبع بنوع القراءة إن كانت طاهرة سيتطَهّر وإن كانت دنسة سيتدنس.
القراءة هي ينبوع الصلاة النقية وعونها. عندما يدنو الإنسان إلى الصلاة. فإن تذكار القراءة يلهب الإنسان المصلي بفهم الكلام الصحيح الذي قيل عن الله.
" القراءة في الكتب المقدسة تكون حسنة إذا اتخذتها كمرآة حتى إذا ما شاهدت نفسك فيها حالها تصُلح ما تجده رديئاً وتكمل ما تراه حميداً "
إن النفس تعينها القراءة إذا ما مثلت في الصلاة، وتستنير في الصلاة من القراءة. إذاً فالقراءة وسيلة لتوصلنا إلى الله بالصلاة، فإذا وصلت للهدف اترك الوسيلة جانباً واهتم بالهدف.
إذا سَرَت فيك الحرارة الروحية فإياك أن تهملها وتستمر في القراءة لئلا تبرد منك وتطلبها فلا تجدها.
3-الجهاد والتغصبَّ :
لكي نصل للحياة الصالحة المثمرة يلزمنا ألا ننتظر البركات تهبط علينا فجأة، بل تأخذ طريقنا إليها بخطوات بطيئة ولكن ثابتة.
يلزمنا جهاد منَّظم طويل، وصبر وتعب لأنه سيأتي عليك وقت جفاف وفتور، فإن لم يكن لك إيمان معين ستتثقل الطريق وربما ترجع إلى الوراء، ولكن إن آمنت ترى مجد الله.
* يقول القديس يوحنا السلمّي :
" إذا كنت تصلي فقط حينما يكون لـك ميل للصلاة فأنـت لـن تصلي قـط، لأن ميل الجسد الطبيعي هـو ضـد الصلاة " " فإنـي عالم أنه ليس فيَّ - أي في جسدي – شـيء صالح " (رومية18:17).
ومعروف أن الجسد يشتهي ضد الروح، وإن ملكوت الله يُغْصَب والغاصبون يختطفونه، فأنت لن تستطيع أن تعمل لخلاص نفسك إذا لم تغصب ذاتك على الصلاة بالمزامير.
فهل لا تقوم بوظيفتك أو بأي عمل جسداني إن لم يكن لك رغبة إن ذلك غير ممكن وإلا تُطرد من الوظيفة فكم بالحري الأعمال الروحية والصلاة هي أهم الأعمال الروحية لذلك تحتاج إلى جهاد أكثر وتغصّب حتى الموت.
4-الوضع الجسدي في الصلاة :
يجب أن أصلي بالروح وأصلي بالجسد. الوقفة اليقظة بالجسد تعطي ذهن يقظ، والذهن اليقظ يعطي وعي وإحساس بعمل الروح القدس لأن الروح القدس يشتاق للعمل فينا ولا يستطيع لعدم إستعدادنا. الروح له عمل سري خلال تيار سري يصل إلى القلب، كما أن المصباح لا يضيء مع التيار الغير مناسب لقدرته (فالمصباح ال110 فولت لا يعمل على التيار 220 فولت ) هكذا أنت : إن لم تكن على مستوى وإستعداد الروح القدس فلا يمكن أن يعمل فيك.
الإنسان مخلوق من نفس وجسد وروح، فلا بد للإنسان كله أن يمجد الله - بروحه وجسده - فوقفة الجسد بخشية تدل على توقيرنا لله ومهابتنا له، وأيضاً للوضع الجسدي أثناء الصلاة دخل كبير في إنتباه الفكر وضبطه - كما يقول القديس اسحق " أنه الزي الحسن في الصلاة ".
إذاً فالصلاة لها زي في الوقفة المنضبطة ورفع اليدين والسجود بتذلل ووقار. والله لا يتضايق من المرضى والضعفاء في الجسد حينما يصلّون مزاميرهم وهم نائمين أو جالسين، بل هؤلاء لهم ظروف خاصة. ولكن الذي يضايق الله هو إهمالنا للأشياء المستطاعة.
5-ضبط الفكر :
ليس الخيال شيئاً قائماً بذاته حرّاً في سيره كما يتراءى لنا، وإنما هو محصلة لعدة قوى: فالطموح والعجز والشهوة والغيرة الحارة والغضب والخوف . كل هذه عوامل مهمة تدفع بالخيال فينطلق بعيداً عن عالم الحقيقة والواقع ليكمل للنفس ما عجزت عن تحققه بالفعل، وحينما يرجع الشخص لنفسه لا يعرف إن كان قد صلى المزمور أم لم يصلّهِ، وحتى إن كان قد صلاّه فإنه ردده ككلام فقط دون أن يعرف له أي معنى.
وعلاج تشتت الفكر يكون بتحليل هذا الفكر نفسه، ويستحسن مع أب الإعتراف ليضمن التحليل الصحيح، لأن عقل الإنسان يتأثر بنوع الإهتمام الذي ينجذب إليه قلب الإنسان وشهوته كقول الرب " حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك " (متى21:6).
فإذا كان الفكر كثير الإنشغال في الأمور الجنسية مثلاً، كان ذلك دليلاً واضحاً لما تعانيه النفس من الكبت الجنسي، ولذلك يجب الإبتداء في الحال بتدريب الشخص على وسائل التسامي الجنسين سواء بالإنشغال في أعمال يدوية، او رياضة جسدية أو أي هواية من الهوايات الفنية، فيستطيع بذلك أن يضبط عقله في الصلاة ويكون الفكر كله في معنى كلام المزمور.
* طريقة الصلاة *
ابدأ الدخول في حضرة الله بالإستعداد القلبي وترك النفس على سجيتها حيثما يقتادها الروح، ثم بعد ذلك ابدأ: إما بوقفة قصيرة صامتة أو بتسبيح اسمه بإعطاء المجد للثالوث الأقدس ورسم الذات بعلامة الصليب حتى تشعر أن حواسك وذاكرتك وعقلك ومشاعرك موجهة لله.
ابدأ بالمزمور وتحسس كل كلمة، وماذا يريد بها منك أنت بالذات، ثم أرفع قلبك نحوه طالباً منه المعونة على إستيعاب كلمته ومعرفة قصده وأن يعطيك نعمة على العمل بها.
وهناك طريقتان للصلاة وهما : الهذيذ والتأمل.
1-الهذيذ :
وهو أن تأخذ القول أو الكلمة أو الآية وترددها أمام الله. فالصلاة بالمزامير واللهج في ناموس الرب تسمى الهذيذ " وناموسك هو تلاوتي ".
فإذا جذبتك كلمة في المزمور فلا تتركها ولا تتهاون بها بل هِذْ بها لأن فيها كنزاً مخفياً - ولك أنت بالذات - حسب حالتك.
* ويقول القديس مار اسحق السرياني " إن الشخص الروحي إذا وقع نظره على كلمة فيها شيء روحاني ينجذب إليها أو إلى السير بموجبها ".
فجذب نظرك لكلمة معينة إشارة إلى أن روحك لها كنز في الكلمة وبهذا تدخلك في الدرجة التالية من الصلاة وهي التأمل.
2-التأمل:
وهو أن تكرر القول أو الآية كثيراً ولو ذهنياً، اتركها تتغلغل في قلبك وفي ذهنك حتى تندمج في كيانك.
الآية: " محبوب هو اسمك يا رب فهو طول النهار تلاوتي " (مزمور97:119). لقد ذاق عبدك داود يا رب حلاوة اسمك وكان يتغنى بها قائلاً " محبوب هو اسمك " داود النبي الذي عنده مئات المشغوليات يقول أن اسمك هو طول النهار تلاوتي، من محبته لإسمك.
كم من المرات يا رب أحاول أن أبرر نفسي عندما أهمل ذكر اسمك، وأقول أني مشغول أو مريض أو أني تعبان…. ولكن ما هذا التبرير إلا برود محبتي وكسلي وتهاوني وعدم تذوقي لمحبة اسمك. (طول النهار) ! ومعروف أن النهار كله انشغال بأعمال المملكة وقضايا الشعب. فكيف كان هذا الملك يدبّر أمور مملكته وشعبه وبيته ويتلو اسم ربنا أنه الحب وأينما وُجد الحب زالت كل العراقيل والعقبات.
فداود أحب اسم الله فكان كل شيء مقضي وأموره ميسرَّة… ولكن من أين يأتي الحب يا الهي إلا من عندك لأنه معروف عنك أن اسمك " الله محبة ". فأنت الحب يا الهي… فإن لم تسكب من حبك في أحشائي يا الهي فلا تلمني لعدم محبتي لك. لأنه معروف يا سيدي أن فاقد الشيء لا يعطيه، كيف لإنسان لا يوجد عنده مال أن يعطي لآخرين مال وكيف لإنسان لم يأخذ من كنوزك وينابيعك حباً ويستطيع أن يحبكّ
فالموضوع يا سيدي هو موضوعك ولا بد أن تكون أنت الذي تبدأ وتسكب فيَّ من حبك حتى يمتلئ قلبي بمحبتك ويفيض أيضاً على أولادك من الحب الذي اعطيتنيه. لقد اعطيتني حباً كثيراً بل متَّ من أجلي حباً، وتذوقت حبك كثيراً ولكن كل هذا ضاع بسبب غباوتي وجهلي وتهاوني.
إن شهوة قلبي يا قدوس أن أحب اسمك كعبدك داود الذي كان من كثرة حبه لإسمك لم يقل: طول النهار تلاوتي، فقط ولكنه قال: ذكرت اسمك في الليل فتعزيت.
إن اسمك كان تلاوة عبدك داود ليلاً ونهاراً وهذه هي طلبتي أنا عبدك يا رب أن يكون اسمك دائماً تلاوتي ليلاً ونهاراً… في العمل والراحة، في النوم واليقظة، في النور والظلمة، في الفرح والحزن، في الوسع والضيق، في التجربة والمنفذ.
فلما اختبر الآباء ذكر اسم الله وضعوا في التسابيح والصلوات القصيرة تكرار اسم ربنا يسوع المسيح وقالوا أن ذكر اسم المسيح سوط يجلد الشياطين.
والرسل عندما كانوا يصنعون معجزة أو يخرجون شياطين يقولون: باسم يسوع الناصري. فكانت تتم المعجزة
نعم يا رب إن اسمك حلو ومبارك في افواه قديسيك. فعلمّني يا رب كيف احب اسمك وكيف ألهج به نهاراً وليلاً لكي أكون كالشجرة المغروسة على مجاري المياه التي تعطي ثمرها في حينه وورقها لا ينتثر.
* وعندما تحسّ بأنه صعب عليك أن تستمر في الصلاة بحرارة ارجع لمزمورك مرة اخرى واستأنف الصلاة به إلى أن تصادف كلمة أو آية تستميل قلبك واعمل بها كالأولى. وهذه الطريقة هي ما تدعى بالحق صلاة.
* هذه الطريقة تدعو الذهن أن يأخذ قسطاً من الصلاة ويحفظها هكذا من التشتت والغفلة، وهي في الوقت نفسه تبعد الصلاة عن العقل والتفكير لتدخلها في البساطة والقلب.
* إذا شئت التمتع بحلاوة قراءة المزامير في خدمتك، والتنعم بمذاقة الروح القدس فيها، يكفي أن يكون عقلك فاهماً معاني الصلاة فيتحرك فيك شعور بتمجيد الله، وكلام المزامير قُلهُ دائماً على نفسك وليس كأنه من قول غيرك.
* ولا تقل كلام المزامير بشفتيك فقط، بل جاهد واعتنِ أن تكون أنت ذاتك كلام صلاة لأن التلاوة ليس فيها نفع إلا إذا كان الكلام يتجسم بك ويصير عملاً فتصير إنساناً روحياً.
* عوّد ذاتك واغصب نفسك لتجمع الفكر في خدمة المزامير وبالأكثر في الليل ليأخذ عقلك إحساس الروح وفرحة المكنوز في المزامير، فإذا تذوقت هذه النعمة فلن تشبع من المزامير.
* لا يمكن أن يدوم العقل في الصلاة بدون فكر، ولكن نُريد أن يكون فكر العقل في الصلاة نفسها وفي معاني كلماتها.
وإ ختم بما كتبه القديس يوحنا الذهبي الفم:
لا أدري كيف دبّرت نعمة الروح القدس أن يُنذر بنظام إستخدام المزامير ليلاً نهاراً حتى أن الجميع بأفواههم كالطيب الكثير الثمن. فإن كان في الكنائس والإجتماعات الروحية العامة فداود في الأول وفي الوسط وفي الإنتهاء. وإن كان في جناز الموتى ومنازل العذارى المتشبهات بمريم، وفي مناسك الرجال في القفار المجتهدين في صلواتهم فداود في الأول والوسط والإنتهاء