ادارة المنتدي ادارة المنتدي مسئول التصميمات
رقم العضو : 1 الجنس : تاريخ التسجيل : 02/10/2010 تاريخ الميلاد : 11/09/1992 عدد المساهمات : 804 نقاط : 5166495 السٌّمعَة : 16 العمر : 32
| موضوع: «مريم التي تدعي المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين» الأحد 23 يناير 2011 - 23:41 | |
| مقدمة .... هن سيدات ثلاث ، أغلب الظن أنهن جميلات بل رائعات الجمال، فما رسمهن الفن مرة إلا في أبدع تصويره وأرق حواشيه وأزهى ألوانه، وقفن في الطريق الإنساني، وعلى طوله، وأدين رسائلهن التي تركت آثارًا هائلة تحتضن التاريخ بكل ما في التاريخ من طول وعمق واتساع، ومن عجب أن يقف ثلاثتهن في شبه عقد نظيم، طرفاه بستانان ووسطه صحراء، ولعلك قاربت أن تعرف بعد ذلك من أعنى، فهن حواء والعذراء والمجدلية. أتذكر تلك الشجيرت السادرة في جنة عدن في البستان الأول تظلل حواء وآدم العريانين البائسين الخجلين وأتذكر الصوت الحزين الذي جاءهما ينادي بالطرد والألم، والدموع والتعاسة للجنس البشري جزاء العصيان وأتذكر المرأة تخرج لتغرق أولادها والأجيال البشرية في البؤس والمرارة والشقاءوأتذكر كيف تهدم هذا البستان، وتحولت الأرض غير الأرض فأضحت طريقًا ملعونًا صحراويًا لبني البشرفي عرض هذا الطريق وفي وسط الصحراء ولدت المرأة الثانية مخلص العالم، كان كل ما حولها صحراويًا فالجوع والفقر والفاقة والجدب كانت تحيط بها كرمز لحياة الإنسان كلها. على أن الصحراء تحولت واضحت كما قال إشعياء : «تفرح البرية والأرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس» . حين رأينا المرأة الثالثة تخرج راكضة من البستان لتنادي بقيامة الرب يسوع. إن بين حواء والمجدلية أشياء كثيرة التناظر والتباين مما لا يغيب عن العين الدقيقة الملاحظة، فهذه البنت وتلك أمها، وكلتاهما حملت رسالتها الكبرى في بستان، وكلتاهما بكت فيه، وكلتاهما اتجهت بقلبها وشعورها نحو شخص واحد. على أن احداهما حملت رسالة الهلاك للبشر والثانية رسالة الخلاص، الأولى بدأت رسالتها باستسلامها للشيطان والثانية عرفت رسالتها بعد مبارحة الشيطان. والآن أريد أن تتأمل المجدلية من نواح ثلاث: الفتاة التي أخرج منها المسيح سبعة شياطين، الفتاة التي كرست حياتها لمخلصها، الفتاة التي كوفئت أجل مكافأة.
الفتاة التي أخرج منها المسيح سبعة شياطين مريم المجدلية فتاة من بلدة مجدل الواقعة غرب بحر الجليل، عند المدخل الجنوبي لسهل جنيسارت، ويظن بعضهم أن الكلمة تعني «الحصن» إشارة إلى أنها كانت حصنًا على الطريق المؤدي إلى السهل، بينما يرجح آخرون، ولعله الأصح، أن الكلمة مأخوذة من جدائل الشعر، نسبة إلى جمال موقعها، وجمال سيداتها المجدولات الشعور، ومن هنا رسم الفن المجدلية ذات جمال رائع أخاذ غير عادي طويلة الشعر مجدولته حينا مسترسلته حينا آخر، على أننا نعلم، على وجه التحقيق، إنها كانت فتاة غنية استطاعت أن تمد المسيح مع آخريات بما كان يحتاج إليه من أموال، ولعلها كانت تنتمي إلى بيت ذائع الصيت في ذلك الوقت، لأن لوقا عند ذكره إياها وضعها في الطليعة قبل يونا امرأة خوري وكيل هيرودس، وسوسنة، وسائر النساء الأخريات، ولئن كان هذا دليلاً على تقدمها عليهن في التعبد والخدمة، لكنه يعني أيضًا أن عائلتها ربما كانت أظهر وأكثر شهرة، كما كانت شديدة الحساسية ملتهبة الشعور يقظة العاطفة، وقد حاول بعض النقاد أن يردوا هذا إلى تأثيرات ماضيها المعذب، ولكننا قد نكون أقرب إنصافًا، وأكثر صدقًا، إذ قلنا أن هذه الفتاة التي أطل عليها المسيح بعد سبعة شياطين، كان لابد أن تكون فيها دنيا الشعور أوسع من دنيا المنطق، وقدرة الحس أعلى من قدرة التفكير، وأنها كبنات جنسها أكثر استجابة للقلب من العقل، لقد عاشت بشياطينها، في منطقة اللاشعور ردحًا من الزمن ثم تفتحت عيناها لأول مرة على مخلصها المجيد، فعرفت الدنيا فيه، ومنه وبه، فكان لابد أن تكون ما كانت، وما بلغت، من هذا الاتجاه العاطفي العميق. غير أنه هنا يجدر بنا أن نقف قليلاً متألمين حزانى آسفين لذلك التقليد الغريب الضخم الذي عصف بحياة المجدلية الأولى، والذي أخذ قوته في العصور الوسطى للكنيسة وما يزال إلى اليوم يتمشى بيننا، بل والذي كان دائمًا ايحاء محزنًا لجمهرة الفنانين والروائيين والممثلين، ممن تعرضوا لتصوير حياتها وشخصيتها، يقول هذا التقليد إن ماضي المجدلية كان آثمًا بل كان شديد الإثم، وما السبعة الشياطين التي كانت بها إلا تعبير رقيق دقيق قصد به لوقا أن يعبر عن تمام انهيارها وسقوطها في الأوحال، ومن الغريب أن الذين أخذوا بهذا التقليد قالوا إن مريم أخت لعازر، والمرأة الخاطئة التي جاءت من وراء المسيح في بيت سمعان، وسكبت طيبها وغسلت قدميه بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، والمجدلية لسن ثلاث شخصيات بل شخصية واحدة، وقد ظل هذا الفكر يتأرجح في الكنيسة اللاتينية بين القوة والضعف، والسقوط والبقاء، حتى جاء غويغوري السابع فناصره وحكم بصحته وأيده، وسارت في أعقابه الأجيال البشرية التي دمغتها بهذه الدمغة المحزنة، وأغلب الظن أنه فعل ذلك لكي يمجد النعمة وقدرتها على انتشال الناس، شأنه شأن الكثيرين من الوعاظ الذين يجنحون عادة إلى الإغراق في الخيال، والتهويل في الحديث عن الخطية، ليستطيعوا بذلك تصوير النعمة في قوتها ورقتها وعظمتها وجلالها وقدرتها المخلصة، ولكن النعمة فيما أعتقد لا تحتاج منا إلى مثل هذا الاستنصار وهذا التحيز، لأن هناك أوضاعًا متعددة للخطية وحالات لاحد لها ولا حصر يكفي أن نظرها كما هي، في كل بساطة، لنرى النعمة في كامل جودها وقوتها ولطفها وجمالها.. كلا لم تكن السبعة الشياطين في مريم غير ذلك الجنون العادي الذي يذهب بالوعي والتعقل والتفكير، الجنون الذي يترك في شدته آثارًا مخيفة في البدن والهيئة والمعاملة مع الآخرين، ألم يقل الأب الذي جاء بابنه المجنون إلى المسيح ليشفيه: «ارحم ابني فانه يصرع ويتألم شديد ويقع كثيرًا في النار وكثيرًا في الماء». ومجنون كورة الجدريين «كان مسكنه في القبور ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل لأنه قد ربط كثيرًا بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود فلم يقدر أحد أن يذلـله، وكان دائمًا ليلا ونهاراً في الجبال وفي القبور يصيح ويجرح نفسه بالحجارة». وقد أخذ بهذا الرأى كثير من أئمة الفكر المسيحي في طليعتهم الكنيسة اليونانية القديمة، وأسقف الإسكندرية، ترتليانوس وايرانيوس، واريجانوس، والكنيسة الشرقية، برجالها تاوفيلوس الأنطاكي ومكاريوس، والذهبي الفم، والمفسرون المحدثون، ككلفن، وبنجل، والفورد، وستير، وماير، وغيرهم ممن قاوموا بكل حمية وحماس الفكر الغريغوري. كانت مريم فتاة مبدعة ثرية بائسة، فيها كل عناصر الجمال الحي المبدع الرائق ولكن هذه العناصر عبثت بها يد الشيطان فذرتها هباء، كانت مريم أشبه بالمصباح الكامل الجميل المستعد أن يرسل أضواء قوية بعيدة مشرقة، ولكن أستارًا كثيفة من الظلام دثرته وغطته، فأخفت وراءها ما يمكن أن يبعث من وهج وجمال ونور، ولقد بكى مريم كل قلب نبيل عرفها، بكاها أولئك الذين يؤخذون في الحياة بالمعاني العليا السامية في الإنسان الذين يهزهم الحزن على الجمال الذاوي والحسن الضائع والإنسانية المعذبة، ولكن هذه الدموع في مجموعها كانت دموعًا حزينة يائسة متألمة عاجزة، حتى جاء ذلك اليوم العظيم في حياتها، حين مر بها - ولا نعلم أين ومتى - مخلص العالم وصديق البائسين، لشد ما كنت أتمنى أن ترجع لنا القرون لنراه في رقته وقوته، في جوده وقدرته، في وجهه المشرق بالدموع والحنان وهو ينحني على آلام التعساء، وفي يده الرفيعه المقتدرة وهي تمسك بهم لترفعهم فوق الألم والتعاسة والشقاء. مريم!! وبهذا النداء القوي المقتدر خرجت الشياطين وولت، وعاد للعينين الزائغتين والعقل المشوش والكيان المضطرب الصفاء والشعور والدعة والتعقل، بل عادت لنا مريم التي دعاها البعض حقاً زنبقة الإنجيل. كان يعقوب بهمن يقول: «ليس لي كتب أفلاطون وأرسطو والفلاسفة القدماء والمحدثين لأدرس بحثًا عن الشيطان، ولكن لي قلبي أوفي المحدثين وأبرعهم وأرهبهم». «بقلبي تستقر سبعة شياطين أفظع وأنكى وأشد من شياطين مريم: «الحسد والأنانية والكبرياء والحقد والطمع والخبث والمكر» بذا صرخ دانتي «لا تتمثلوا بي فقلبي كتلة من الخطية» بذا صاحت سانت تريزا لتلميذاتها المعجبات المقلدات. في قصة قديمة قيل إن سقراط كان جالسًا مرة بين جماعة من شباب أثينا، ومر بهم رجل به روح عرافة، لم يكن يعرف سقراط، فدعوه ليقرأ نفسيته فقال: «أيها الرجل أنت لص مجرم أثيم لك نفس خبيثة غادرة» وواصل نعته بشر النعوت التي يمكن أن يوصف بها إنسان، وإذا بالجماعة تهب عليه تريد أن تمزقه، كيف يصف نبيها المحبوب بهذه الأوصاف، وإذا بسقراط يقول في هدوء عميق حزين: «دعوه يا رفاقي: إن الرجل قد صدق، فهذه هي الصورة الصادقة لنفسي» ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت، أشكر الله بيسوع المسيح ربنا، هذه صرخة النفس التي وجدت انتصارها في المخلص الذي يستطيع أن يحررنا من سلطان الخطية والجسد والعالم والشيطان.
الفتاة التي كرست حياتها لمخلصها يذكرني تكريس مريم بقصة فتاة فقدت حريتها وسيقت للبيع في إحدى أسواق الرق بأمريكا، وكان فقدانها الحرية أقسى مما تستطيع حمله، فهي أشبه الكل بالوحش الأسير المجروح، أو المجنون الذي ذهب لبه، تلتهب عيناها بشواظ من نار الحقد والمقت والسخط والكراهية على مستعرضيها، وقد اشتدت المزايدة بين راغبي شرائها حتى بلغت حدا عجز إزاءه الجميع إلا رجل هاديء لطيف القسمات أبي ألا أن يشتريها بأي ثمن، وقد تم له ما أراد، غير أنه ما أن دنا منها ليمسك بيدها حتى صرخت في وجهه بصوت مخيف مفزع: ابعد عني أيها الرجل فلن أبرح هذا المكان إلا جثة هامدة، فأجابها وقد تندت عيناه بالدموع: إني أرثي لك يا فتاتي، وأقدر جيدًا معنى ألمك وحزنك وثورتك، وكل قلب نبيل يرى فيك ضياع الحرية والكرامة والشرف والمحبة والجود والإخاء الإنساني وكل المعاني العظيمة التي يعتز بها البشر لا يملك إلا أن يتألم ويفزع ويحزن، لست أحد جلاديك ومعذبيك الآدميين، إنما أنا رسول محبته إليك، ذاك الذي مات من أجلى ومن أجلك على الصليب، فمحا الفروق التي أنشأتها الخطية واستبد الإنسان، أيتها الأخت أنت حرة من هذه الساعة، حرة كهذا النور وهذا الهواء الذي نموج فيه ونمرح، حرة أمام الله وهؤلاء الشهود... واستدار الرجل يسير، ولكن الفتاة التي أذهلتها هذه الكلمات أمسكت به وصاحت بدموع: أيها الملاك بين الناس لن أتركك. إن عبودية في كنف حماك لهي أفضل شرف وأمجد حرية. وأبت أن تتركه وسارت معه لتخدمه كأفضل ما تكون الخدمة المسيحية ... على هذا الغرار عاشت مريم لمخلصها، فقدمت له كل ما تملك يداها وقلبها، كرست له مالها ووقتها ومحبتها. مالها هي الفتاة التي أشرفت على كل ما يحتاج إليه المسيح من طعام وشراب ولباس ولعلها هي التي نسجت له القميص الذي اقترع عليه يوم الصليب، وهي الفتاة التي كانت تحرص على أن يظل الصندوق عامرًا حتى ولو سرق منه يهوذا ما سرق، كان المال أحد الوزنات التي تملكها هذه الفتاة، ولقد أجادت استعماله مع زميلاتها الفتيات. أيتها السيدات الثريات ما أحوجكن إلى تعلم هذا الدرس، قد لا تستطعن أن تخرجن بأنفسكن للخدمة كالسيد وتلاميذه، وقد لا يكون لكن من الظروف والمجهود والاستعداد ما يمكنكن من التبشير والتعليم والوعظ، وقد لا تكون هذه بعض نصيبكن من هبات الله ووزناته، ولكنكن تستطعن أن توفرن على كل خادم تعب التفكير في حاجات الجسد والانشغال بها. أريد أن تقفن من الخدمة موقفًا مثيلاً لموقف ولدين من أبيهما الخادم. كان (جون استرلنج) واعظًا غيورًا متجولاً، يريد لكلمة الله أن تسمع في كل مكان، وقد قضى مرة أسبوعًا يعظ في خدمة ناجحة على جمع كبير في كنيسة من كبريات الكنائس، وقد اقترح أحد المتقدمين في حضور هذه الخدمات على المجتمعين جمع مبلغ من المال لمعونة هذا الواعظ، فأجاب راعي الكنيسة: إن هذا كان يسره لو أن استرلنج يقبل معونة، وذكر الراعي أن لهذا الخادم ولدين، كان يتمنى أبوهما أن يخرج أحدهما للخدمة، غير أنهما لم يشعرا بدعوتها، وانصرفا إلى التجارة فوفقا فيها توفيقًا كبيرًا، وطلبا من والداهما أن يجول كما يريد شرقًا وغربًا لخدمة الله، وأن يصرف ما يشاء في رحلاته، وألا ينتظر من أحد أي مساعدة مالية، وإنهما كفيلان بتوفير كل ما يحتاج إليه، ولقد قضى هذا الرجل خدمته يتابعه ولداه في كل مكان بكل رغباته واحتياجاته المادية. وقتها وتكريس الوقت فيما أظن أصعب وأقسى من تكريس المال، فلقد رأيت كثيرين يقدمون أموالهم بعواطف بعضها سام وبعضها خفيض ولكنها على أي حال لن ترقى إلى ذلك الانصراف الكلي لخدمة السيد، كانت مريم ومن معها متابعات السيد أينما رحل، شأنهن شأن النساء اليهوديات المتعبدات اللواتي كن، كما يحدثنا جيروم، يتتلمذان للربيين، ويسرن وراءهم في روح عميقة من التبعد والولاء والخدمة. رسم أحد المصورين صورة قدم مرفوعة لترقي درجات سلم كتب عليها: «التعود على الذهاب إلى بيت الله». وكتب في أسفل الصورة: «أكبر خطوة في حياة أي إنسان» وكم عجز كثيرون وثقلت أقدامهم عن بلوغ هذه الخطوة،... كان لوثر يحس أن اليوم الذي لا يقضي فيه ساعتين صباحًا على ركبتيه يوم ضائع، وكان يوحنا ويسلي يرى ضرورة قضاء أربع ساعات يوميًا في شركة تعبدية مع المولي حتى يشبع منه ويحدثه بمشكلاته، ونحن يا تري كم نعطي لله من أوقاتنا وكم نجلس في حضرته العلية، وكم نهمس في أذنيه بأشواقنا وآمالنا وآلامنا أخشى أن أقول إن ما نواجه من جدب وإفلاس وضعف وفقر وعجز يرجع إلى قصر الشركة معه وضيق وقتها. محبتها لئن كان المال في هيكل مريم القدسي بمثابة الدار الخارجية، والقدس هو الوقت، فالمحبة هي قدس الأقداس، وهنا يطرح المرء قلمه في رهبة وتلعثم وعجز إزاء هذه المحبة النادرة العجيبة، بل هنا يقف المرء في انحناء وخشوع إزاء أنبل ما أراق القلب الإنساني من عواطف على الأرض، قد لا يكون لمريم عمق محبة العذراء، أو علو محبة يوحنا، أو طول محبة بولس، أو عرض محبة بطرس، ولكن من يجاريها في جزالة محبتها وفخامتها وعذوبتها ورعتها وقوة انبعاثها.. حين وقف منها توماس ميلر وحاول أن يدرك كنهها، وسر ما فيها من جمال ورغادة ونور لم يجد لها وصفا أصلح من ذلك الوصف الرمزي البديع الذي وضعه ماثيسون على لسان الكنيسة، وفيه يتمثلها فتاة يحاول رجل - هو العالم - وقد أخذ بجمالها وشذاها أن يردها عن سيدها ومحبها فتجيبه: «إن ما يعجبك في ليس شيئًا أصيلاً بل هو انعكاس... إنه الزرقة تتلون بها مياه البحر، والحمرة تصطبغ بها وجنة الورد، لقد طبعها في قلبي نور عظيم، نور المحبة، لقد رأيت واحدًا حولني، هو الذي أتبعه في الوديان وأرقي وراءه فوق التلال، قال الناس أنه ميت، ولكن هذا ليس حقًا، انه نور أيامي، والأزهار المبثوثة في طريقي، إنه اللحن الذي أتغنى به، ولو أمكنني أن أغني من الصباح حتى الليل لما رددت غير مقطع واحد: «أحبه. أحبه. أحبه». وفي الجلجثة والبستان بدت هذه المحبة عجبًا حين اتشحت بالحزن وكساها ثوب الألم لقد انتصرت على كل عوامل الضعف البشري، وضربت أمثل الآيات في الوفاء والولاء والتكريس، لقد تابعت المجدلية المسيح في المحاكمة وعلى الصليب وفي القبر، وكامبل مورجان يؤكد بملاحظته الدقيقة، إنها قضت الليل كله تجاه القبر حتى ختم في صباح اليوم التالي، وفي يوم القيامة كانت أسبق الجميع إليه، بل كانت بين أورشليم والقبر جيئة وذهاباً لا تعرف استقراراً وبينما يرجع بطرس ويوحنا مندهشين متعجبين لا تترك هي القبر بل تسكب أمامه دموع المحبة الوفية الحزينة، كما أن رؤياها للملاكين، ومن ظنته البستاني، وحديثها معهما ومعه، يجلان في روعتهما وحقيقتهما عن أسمى خيال طرق فكرًا بشريًا،... لقد تعلمت من المجدلية كيف تنتصر المحبة على الخوف والرهبة، وكيف تعلو على الجبن والمصانعة، وكيف ننسى الأعياء والتعب، وكيف تنفرد بالولاء والشهادة المنتصرة في أدق الظروف، لقد تعلمت منها كيف أقف إلى جانب مخلصي، حتى ولو انفض الجميع من حوله، وبدا الليل قاتمًا حالكًا مظلمًا، وأن أسعى إليه لأعبر له عن ولائي، ولا انتظر غيري سعي أو لم يسع، وأن تكون محبتي متحركة نشطة ملتهبة لا تعرف السكون أو الصمت أو الجمود، وألا يؤثر فيَّ رجوع الجميع عنه حتى ولو كان بينهم أفضل تلاميذه، بل وأن يكون لي من قوة الحب، ما يشغلني عن منظر الملائكة مهما كان جميلاً، وعن حديثهم مهما كان عذباً، بل لقد تعلمت منها أن أنسى ضعفي وخوفي وقصوري ونقصي وانفرادي، وأن أشهد له وأعترف به وأسعى إليه، في أية حالة كنت وكانت الظروف حولي. ضع هذه العبارات أمامك: «فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي ووضعه في قبره الجديد.. وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاة القبر». «وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر والظلام باق». «فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه». «فمضى التلميذان أيضًا إلى موضعهما أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي». «فظنت تلك إنه البستاني فقالت له يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه».. ضعها أمامك ترى جلال محبة مريم وعظمتها.
الفتاة التي كوفئت أجل مكافأة
لا أظن أن هناك مكافأة أجل من تلك التي قالها مرقس في عبارته الخالدة، وهو يتحدث عن قيامة المسيح: «ظهر أولاً للمجدلية». ولم ظهر للمجدلية أولاً ألا أنها كانت أحوج الكل إليه تشتت التلاميذ وتعثروا، وكانوا يحتاجون إليه وإلى تعزيته، وإلى استرداد الثقة بمكانهم وموقفهم، فخصهم بحبه ومواساته وحدبه، كل على أساس حاجته من ذلك الحب والمواساة والحدب، ولأجل هذا ظهر لبطرس على انفراد، وظهر لتلميذي عمواس، وظهر للتلاميذ في أول الأسبوع التالي مجتمعين معاً، وأغلب الظن أنه ظهر خصيصًا من أجل توما الذي لم يكن حاضر الظهور الأول.. فهل ظهر أولاً للمجدلية لأن دموعها كانت أغزر، وحزنها أشد قد يكون فأنا أعلم أن دموعي تأتي به من أقصى السموات، وأنا أعلم أن ضيقي يهز قلبه العظيم، وأنا أعلم أنه ما من دموع سكبها إنسان إلا وهزته هزا، وهل استطاع أن يرى أرملة نايين تودع ولدها الوحيد الى مثواه دون أن يقف في طريق الموت ليرد الولد إلى أمه وهل استطاع أن يرى أخت لعازر تبكى دون أن يشاطرها البكاء فهل يمكن أن يرى دموع مريم دون أن يسرع إليها أنا أعلم أنه جاء ليمسح دموعها، وليرد إليها العزاء. وليبين لها أن يوم نصرته لا يصح أن يكون يوم دموعها ويوم القيامة لا يمكن أن يكون يوم البكاء..
ألا ما ألطف السيد وأروع حنانه! كم من مرة يأتينا ليكفكف دموعنا التي تعبر في الواقع عن أوهام خيالية وأحزان لا أساس لها، وهي أشبه الكل بدموع يعقوب قديمًا حين صاح لبنيه: «أعدمتموني الأولاد. يوسف مفقود وشمعون وبنيامين تأخذونه صار كل هذا علي». ولم يكن أحد من أولاده إلا في خير حال.
هناك من يظن أيضًا أن المسيح جاء ليكافيء المرأة في شخص مريم، ويرفع كرامتها المهانة الضائعة، لقد كفرت المرأة يوم الصليب عما فعلته يوم السقوط، إذ انفردت بالولاء له دون الرجل، ومن ثم كان الرسول الأول للتاريخ والأجيال ببشارة القيام امرأة لا رجلاً.. «فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا»... عندما تذكر النساء مجدهن الأثيل وخادمات هذا المجد ليتهن لا ينسين أن يضعن في الصف الأول مع أخلد البطلات مريم المجدلية.
******************************************** أرجو أن ناخذ من القديسن بركة الروح والقدوه والعمل والطريق,,, هل نحن نقتدى بالسير المقدسة ,,,,, | |
|